تلفاز

مراجعة تفصيلية لأحد أفضل إنتاجات نيتفلكس | مسلسل Dark

تحفة فنية تستحق التأمُل و ليس مُجرَد عمل أفتراضي!

  • بطاقة تعريفية بالمسلسل:
Netflix ©

‏

‏• أسم  المسلسل : Dark

• ‏تصنيف : دراما/ خيال علمي/ تشويق وإثارة

‏• بطولة : لويس هوفمان، مارك واشك، مايا شون، يورديس تريبل، أندرياس بيتشمان.

‏• عدد المواسم إلى الآن : موسم واحد

‏• عدد الحلقات : 10 حلقات

‏• مدة الحلقة الواحدة : بين 45 و57 دقيقة

• شبكة العرض : نيتفليكس

• القصة : ‏تقع الأحداث في مدينة ألمانية، حيث يختفي صبيان من ابناء المدينة، ويؤدي اختفائهما إلى الكشف عن علاقات متشابكة بين أربع عائلات مختلفة.

——————————————————–

تعد قصة المسلسل غير خطية، حيث يتم القفز في أحداث الحلقة الواحدة من عصر لآخر ومن ثم العودة من جديد، وعندما تبدأ الشخصيات من فترات زمنية مختلفة التفاعل مع بعضها البعض يصبح الأمر مربكاً ومسلياً في ذات الوقت، ويشبه مسلسل “Dark” مسلسل “Lost” بدرجة كبيرة ولكن بدلاً من جزيرة نائية، تدور الأحداث في بلدة ألمانية صغيرة مليئة بالأحداث والأسرار الغريبة.

Netflix ©
  • قصة خرافية مظلمة :

‏إذا كان هناك أي شيء يجب أن تعرفه في البداية هو أن هذا المسلسل هو نوع من المسلسلات المتعلقة بالتنقل عبر الزمن الخرافية التي تجري أحداثها في غابة تحيط بكهف مخيف والذي يصدر أصوات غريبة.

‏وبطبيعة الحال فإن الكهف أكثر من مجرد كهف عادي، وكلما قمت بمشاهدة المزيد من الحلقات من المسلسل كلما أدركت أن لا شيء يبدو كما يظهر بالفعل، فالمسلسل يشبه كثيراً خرافة Brother Grimm بنفس الشعور بالرعب والعنف والدروس الأخلاقية.

‏قد تعتقد أن مسلسل خيال علمي مثل “Dark” سيحتوي على بعض الأجهزة الالكترونية الجميلة لتشغيل الأشياء، ولكن كل ما احتاجه الأمر هو كهف وقبو وآلة زمن للتلاعب في أحداث المسلسل بطريقة مثيرة.

‏واحتاج Jonas إلى خريطة مرسومة باليد بدلاً من GPS هاتفه للتنقل من خلال متاهة الأنفاق داخل الكهف، وحتى هذه الخريطة تتكون من علامات خفية وأشياء غير مفهومة.

Netflix ©

‏أما المخبأ الذي يشبه كثيراً الملاجئ المستخدمة في الحرب العالمية الثانية، يوجد به آلة كهربائية تشبه الكرسي وتم بنائها في خمسينيات القرن الماضي، ويتم استخدامه في أحداث المسلسل استخدامات مرعبة.

‏وهناك آلة أخرى أيضاً بها لمسة جمالية من steampunk والتي من شأنها أن تكون مناسبة بشكل أفضل في أفلام الخيال الخاصة بالمخرج Guillermo del Toro، سواء مظهر التروس والنحاس الأصفر والنقر على كل الأجزاء لملء طاقة آلة Enigma، ولكن لا يوجد شيء حول كيف تم صنع هذه الآلة وكيف تم استخدامها في المسلسل.

‏التقنية الوحيدة الحقيقية المستخدمة في مسلسل “Dark” هو هاتف iPhone وكيف سيؤثر الأمر عندما يفتقد البطل لهذا الهاتف في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ، وبعد مشاهدتي المسلسل سأكون حذراً بما فيه الكفاية حول مكان تركي لهاتفي.

Netflix ©
  • البحث عن أدلة :

‏يمكنك توقع أحداث المسلسل والتنبؤ بها بسهولة ولا يقوم المسلسل بإعطائك الكثير من التفاصيل بلا داع، وهو غني بالإيماءات الخاصة بالأساطير اليونانية، والخرافات الألمانية والعلوم والطبيعة والتاريخ.

‏وستجد في المسلسل العديد من الإشارات لأشياء عديدة مثل كارثة تشيرنوبيل النوويةإلى لوحة Emerald مما يجعله أحد المسلسلات الذي ستقوم بإيقافه كثيراً لدراسة ما به عدة مرات لمعرفة كيف أن هذه الدلائل ستساعدك على فهم اللغز الأكبر في أحداث المسلسل.

Netflix ©

‏نعلم جميعا أن السفر عبر الزمن غير ممكن نظرياً وعملياً، لحد الآن، لكن هذا المسلسل أستطاع بقصته وطريقة إخراجه أن يجعلك تُعيد التفكير مرة أخرى في الموضوع، من خلال شدة واقعية الإكسسوارات وديكورات المشاهد والمؤثرات البصرية الغير مبالغ فيها والموسيقى التي تحملك من مكانك وتحط بك في أجواء القصة… والعديد من الأمور التي جعلت هذا المسلسل يبدو قريبا إلى الواقع بشكل كبير.

‏أهم دعائم هذا المسلسل تكمن في الأداء الاحترافي للممثلين، فمثلا هناك شخصيات تتطلب أكثر من ممثل للواحد من أجل تغطية ثلاث حقبات زمنية يُناقشها المسلسل، وكل حقبة زمنية يؤديها ممثل معين بشكل مطابق للأخريات من جميع النواحي، بدءً من طريقة التمثيل مرورا بالهيئة الجسدية إلى ملامح الوجه حسب الحقبة الزمنية المعينة، الشيء الذي يُشير إلى أن عملية الكاستينغ أو اختيار الممثلين كانت هائلة جدا خلال مرحلة الإعداد للتصوير؛ فأن تبحث عن ثلاث ممثلين أو ثلاث ممثلات ليؤدوا نفس الشخصية في ثلاث حقب زمنية وبأعمار مختلفة باحترافية كبيرة، فهذا يعني أنك امام إنتاج تلفزيوني ضخم، بالطبع إنها نتفليكس!

‏الأجواء المتوترة بسبب حالات الاختفاء وهي أشياء عهدناها في مسلسلات كثيرة ،ولكن ضربة البداية كانت قوية للغاية بسبب حادثة إنتحار غير مفهومة ورسالة لن نعرف محتواها إلا في اللحظات الأخيرة.

‏بإمكاننا تجنب السفر عبر الزمن قليلا ،وننظر إلى المجتمع المشوّه الموجود داخل بيئة المسلسل ،هناك أربع عائلات تعاني في كل شي سواء الفقدان أو العلاقات الإنسانية السيئة للغاية أو الخيانة أو الحزن أو الندم أو الوعود الكاذبة وأكثر.

‏الحدث الرئيسي مرتبط بمصنع لإنتاج الطاقة النووية حيث أن هذا المصنع يقع تحته سلسلة متداخلة من الكهوف ,حيث أن هذا التداخل ليس فيزيائي فقط بل هو تداخل زمني حيث أن كل كهف من هذه الكهوف مرتبط بمرحلة زمنية ,حيث المسلسل يحاول أن يوضح أن المستقبل يؤثر على الماضي والماضي يؤثر على المستقبل ,وهذا عكس النظرية الشائعة التي تحصر التأثير في المستقبل فقط.

‏لا تتوقف المتعة هنا بأي شكل، فالمسلسل ثقيل فعلًا، إلّا أنّه يحمل متعته الخاصة لأولئك الذين لا يستطيعون احتمال هذا الصنف فقط، بل والاستمتاع به وتقديره أيضًا، أتحدث هنا عن الكتابة العبقرية لهذا المسلسل، عن التصوير والموسيقى التصويرية الخاطفة للأنفاس والتي ستجعل قلبك يدق من التوتر والترقب، عن الحبكة التي ستتركك مصدومًا أمام الشاشة؛ لأنّك صدقني لن تتمكن بأي شكل من الأشكال أن تترقب ما سيحدث لاحقًا، أو أن تتوقع المنحى الذي ستأخذه الأحداث، أو أن تتصور الاختلاف التام بين بداية المسلسل وبين نهاية الحلقة العاشرة من موسمه الأول.

‏من ناحية أخرى نجد أنّ المسلسل قد تناول كلًا من مواضيع: الوقت، القدر، النسبية، والإيمان لم نشاهده من قبل، لكنني لا أريد الدخول في تحليل هذا الجانب أو حتى شرحه؛ نظرًا لأنّه يكون جزءًا من أكبر مفاجآت المسلسل التي تنتظركم.

لنتعمق في قصة المسلسل ونُحدد له بداية ونهاية ونُشرّحه جيدا لكي نفهم ما الذي يجري وأين ومتى … (ما سيأتي قد يحتوي على حرق للأحداث !spoilers ahead)

‏في بلدة اسمها “وندن Winden” بألمانيا، تُوجد مغارة أو كهف عميق جدا، داخلها يوجد ثُقب أو فجوة مُتصلة بثلاث بوابات زمنية، الأولى تؤدي إلى سنة 1953، الثانية إلى سنة 1986 والثالثة إلى سنة 2019. أي شخص يدخل إلى الفجوة في تلك المغارة يمكنه أن يسقط في أي زمن من الزمنيين على حسب البوابة التي اختارها عندما كان في المغارة. فمثلا الطفل “ميكيل” في بداية المسلسل كان ينتمي للزمن 2019، وعندما دخل للمغارة، اختار الجهة التي تُوجد فيها بوابة الزمن 1986.

Netflix ©

‏هنا بالظبط بدأت الأحداث، عندما اختفى الطفل “ميكيل Mikkel” في الغابة في سنة 2019، بطريقة ما دخل ميكيل إلى تلك المغارة فوجد نفسه في العام 1986، ليُصادف الممرضة “اينيس كانولد Ines Kahnwald”، حيث قامت بتبنيه وتربيته ثم غيرت اسمه لـ “مايكل كانولد Michael Kahnwald”.

‏بعدها كبر مايكل وتزوج “هانا كروغر Hannah Kruger” وأنجبا طفلا اسمه “جوناس Jonas”، ثم عندما استوعب مايكل أنه أتى فعلا من المستقبل وأنه لا يستطيع الخروج من الحلقة المفرغة التي ستعيش فيها عائلته مرارا وتكرارا إلى ما لا نهاية وأنّ لا أمل له للعودة إلى زمنه والرجوع لوالديه وعائلته، لم يستطيع التحمل فقام بالانتحار. هنا سيشرع والده “أولريش نيلسن Ulrich Nielsen” بالبحث عنه فيعثر على تلك المغارة بالصدفة التي سافر عبرها ابنه، لكنه لم يسافر إلى نفس الزمن 1986، بل بشكل مُقدر سافر عبر بوابة الزمن لعام 1953.

‏المسلسل لا يُناقش موضوع السفر عبر الزمن في فكرته الفنية التطبيقية فقط، بل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يقول أن أي شخص عندما يدخل لتلك المغارة ويصل إلى منطقة البوابات الزمنية الثلاث، يكون له عندها ثلاث اختيارات للاستمرار، إما أن يأخذ جهة بوابة الزمن لسنة 1986، أو بوابة الزمن لسنة 1953، أو يمكنه الرجوع من حيث أتى، أي الرجوع إلى زمنه، أي بوابة الزمن لسنة 2019.

‏يقول نوح Noah (أحد شخصيات المسلسل): عندما يكون أي شخص عند مكان التقاء البوابات الثلاث، ثم بعدها يختار بوابة معينة (مثلما فعل Ulrich)، هذا الاختيار الذي قام به هو مُقدر من قبل، أو مُختار منذ الأزل. بمعنى آخر، عندما يُقرر شخص ما السفر من سنة 2019 إلى سنة 1953، فأفعاله التي يقوم بها قد أثرت مُسبقا على سنة 2019 حتى قبل أن يبدأ الرحلة، ومن المستحيل أن يتم تغيير الأمر. يُصبح الأمر كالقضاء والقدر، أو بمعنى آخر يُصبح مثل الحلقة المفرغة التي لا تحتوي على بداية ولا نهاية، لا نعلم متى بدأت ولا متى تنتهي، وهذه القضية الشائكة تُذكرنا بفيلم Predestination، الذي بُني على نفس الفكرة.

‏لماذا شخصية نوح Noah تقوم باختطاف الأطفال؟
‏على الرغم من أن المسلسل لا يشرح هذا الأمر جيدا، إلا أنه إذا شاهدته مرة ثانية ستفهم أنه يقوم باختطافهم من أجل القيام بتجارب عليهم حول إمكانية السفر عبر الزمن دون الاعتماد على تلك المغارة، حيث قام باختطاف أطفال من سنة 1953, 1986 و2019. ولذلك فإن تفسير ذلك الفتى الذي وجدوا جثته في سنة 2019 في الغابة ولاحظوا أن ملابسه وحاجياته لا تنتمي لزمنهم، بمعنى أن نوح كان يقوم بالتجربة عليه، فانتهى به الأمر في سنة 2019.

Netflix ©

‏إذا فهمت الأحداث جيدا ونظرت إلى القصة من الأعلى، ستجد أنها عبارة عن حلقة مفرغة، لا بداية لها ولا نهاية، وستبقى تُعيد نفسها كل 33 سنة، وبعض شخصياته يعلمون هذا، أنه لا جدوى من محاولة السفر إلى الماضي أو المستقبل من أجل تغيير مسار هذه الحلقة والخروج منها. وكما أشار إلى ذلك صاحب محل صانع الساعات “H.G. Tannhaus” أنه نظريا لا يمكننا القيام بذلك، لكنه أضاف: يمكننا المحاولة. وهذا ما رأيناه تفعله كل من كلاوديا (الشخصية الكبيرة) وجوناس ( الشخصية الراشدة) وكذلك نفس الأمر ما يحاول فعله نوح.

‏مع ذلك، في نهاية المسلسل قد يكون الأمر قد تغير، حيث رأينا الفتى “جوناس Jonas” انتقل إلى زمن آخر غير الأزمنة الثلات، وكما شاهدنا في ذلك المشهد الأخير يبدو أنه انتقل إلى المستقبل، إلى زمن رابع، وهذا الزمن سيكون سنة 2052 لأن حسب ضوابط السفر عبر تلك البوابات في المغارة لا يمكنك السفر بيوم أو أسبوع أو سنة أو سنتين، يمكنك السفر فقط بـ 33 سنة إلى المستقبل أو الماضي. لكن لا يمكننا الجزم لحد الآن حتى يصدر الموسم الثاني ونعرف إلى أين ستُكمل الأحداث وكيف سيتم مناقشة المفهوم.

‏أخيرًا، إذا كنتم من محبي الأعمال الغير خفيفة والمثقلة بالمصطلحات والنظريات العلمية، وإذا كنتم من محبي “البارادوكسات”، فإنّ هذا المسلسل قد صنع من أجلكم، وكل ما عليك فعله أثناء مشاهدته هو الاسترخاء والتوقف عن التفكير؛ لأنّك إذا فعلت غير ذلك ستجد نفسك مصابًا بآلام رأس حادة لا أكثر.

هل شاهدتم مسلسل Dark؟ ما رأيكم به؟ شاركونا في التعليقات.

 

 

ميلودراما مُفعمة بالحياة

السيناريو - 9.1
الإخراج - 9.6
التمثيل - 9.7

9.5

التقييم النهائي

‏الظاهرة التي يجِب على كُل دارس للفن وعامل به أن يتوقَف عندها

تقييم المستخدمون: 4.46 ( 11 أصوات)

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.