أفلام

هاوية الأفلام والبحث عن حياة في مكان آخر

لماذا استهوتني الأفلام؟

لطالما راودني هذا السؤال لأن شغفي العميق بالأفلام كان أحد الميول التي أشعرتني بالغرابة، فقد كنت مجرد طفلة في وسط، باستثناء أخي الأكبر، لا يهتم بالأفلام والمسلسلات الأجنبية. كانت لدي أختيّ وألعابنا المعتادة معنا، وعلى الهامش كان لي وقتي الخاص الذي أقضيه فيما لا يستهويهما، وقد كان للمسلسلات والأفلام قسم كبير منه.

شاهدت الكثير المتنوع بدايةً، كنتُ أشاهد كل ما أجده أمامي، ولكن روحي كانت مشدودة إلى قصص الفتيات والفتيان في مثل سني، ويجب أن تحفل بالكثير من الصعوبة والدراما القاسية لتؤثر بي، ثم إلى قصص الناس البعيدين لاحقاً، وأعني بالبعيدين هنا ذوي الشخصيات المتفردة باختلافها وغموضها، وأصحاب الاختيارات الجريئة المجنونة أحياناً، بالإضافة إلى ساكني المناطق الريفية أو النائية. هؤلاء كانوا يأخذونني بالفعل إلى عالم آخر ولكن حقيقي أكثر من عالمي، كانوا حقيقيين أكثر من أبي وأمي وإخوتي وكل من عرفت بمن فيهم نفسي، وذلك بسبب صدقهم وصراحتهم.. واستقلاليتهم طبعاً. كانت لديهم الجرأة على الفعل، وتحمل نتائج هذا الفعل، والقدرة على الاعتراف والمواجهة والانفجار، كانوا مشغولين بالحياة لا بقشورها.

تأثرت مرة ببطلة فيلم كانت في سن المراهقة مثلي، كانت لها تجاربها وقراراتها المتضاربة، لو كانت هنا فستكون مجرد فتاة منحرفة وقحة ولكنها كانت هناك؛ حيث أنتَ حر تماماً مثل تلك البطلة الشابة الوحيدة التي عرفتها بعد ذلك في شبابي.. كنت سعيدة وأنا أراها مستقلة بنفسها، مستغرقة في ذاتها، وفي الوقت نفسه محتارة لأنني أراها ترتكب الأخطاء بلا توقف.. إنه قدر قاسٍ أن ننجرف في الخطأ، ونعاقب بأكثر مما نستحق، إذا كنا فعلاً نستحق أن نُعاقب، إلّا أنه يظل أرحم كثيراً من حياة لا تملك فيها حق الاختيار حتى في أتفه الأمور. حياة تُبادرك فيها الحسرة لأنك حُرمت مما أردت فعله بدلاً من الندم على ما فعلته، والذي هو الأمر الطبيعي. حياة لا تشعر فيها بأن الأوان قد فات؛ في الأفلام هناك دائماً مكان آخر فيه متسع لك، وفرصة لحياة جديدة لا تفسدها عليك سخافات ” الجنس، العمر، الأهل والقبيلة…” وغيرها. حياة تخبرك أن لك الأولوية في الاختيار والعيش كما تحب أنت لا كما يحب الآخرون ولو كانوا “أبويك”.

لذلك بمرور السنوات تعلمت كيف أنضج حتى في طريقة اختياري للأفلام. لم أعد أشاهد بكثرة ولكن عندما أفعل ذلك أنتقي جيداً ما أشاهده. قاطعت منذ زمن بعيد أفلام الرعب والحركة والإثارة الرخيصة، وعدداً كبيراً من الأفلام المشهورة تجاهلته، لأنني في الأفلام كما في الكتب؛ أصبحت متعطشة لما يكشف لي عن أعمق خبايا الروح، لعلي أكتشف بعضاً فيها بعضاً مني، ونادرة هي الأعمال التي تساعدني في هذا، والشخصيات القوية كذلك أصبحت نادرة، والحياة تزداد قصراً، وأنا أزداد رغبة في عيشها بكل تفاصيلها لا بقشورها.

لقد ساعدتني هذه الأعمال القديمة غالباً، المغمورة، والشخصيات الحقيقية، والتي لا أذكر أسماء بعضها، لأفهم نفسي ومشاعري، وأكتسب طريقة مختلفة في التفكير والعيش غير آبهة بالناس هنا وحياتهم المترعة بالزيف والنفاق، متحرّرة تماماً من الإحساس بأنني غريبة أو وحيدة أو ضالة.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رووعة وفاء احسست انك تتحدثي عن شخصيتي في الحقيقة لان كثير مما قلتي شعرت به وعشته حقيقة شكرا لك 🌹

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.