أفلامتقارير سينمائيةمراجعات

فيلم 12 Angry Men: رحلة داخل غرفة المحلفين الحماسية

كثيرا ما تردّدت عليّ منشوراتٌ في مختلف المنصات الاجتماعية ترشّح فيه هذه التحفة الخالدة، تحفة تجاوز عمرها النصف قرن ولا زالت رغم ذلك حاضرة وسط مجتمع عشاق الأفلام. شاهدتُ الفيلم حوالي 3 مرات، وكل مرة هي تجربة مختلفة ليست كسابقتها.

12 Angry Men هو فيلم أمريكي من إنتاج سنة 1957 ومن إخراج سيدني لوميت (Sidney Lumet)، مُقتبس عن مسرحية بنفس العنوان للكاتب ريجنالد روز (Reginald Rose)، شارك فيه العديد من الأسماء البارزة في هوليوود آنذاك من أمثال هنري فوندا (Henry Fonda) ومارتن بلسم (Martin Balsam) ولي جاي كوب (Lee J. Cobb). تلقى إشادة واسعة من قبل النقاد، رغم الفشل التسويقي الذي واجهه صنّاع الفيلم في تحديد الجمهور المُستهدف.

إقرأ أيضًا: ليالي أبريل السينمائية: شاشة السينما تضيء بأروع الأفلام

يحكي الفيلم عن 12 رجلاً من هيئة المُحلّفين، يتضاربون بالحجج حول طاولة واحدة في غرفة مغلقة، حول تحديد حكم البراءة أو الإدانة في حق مراهق في 18 من عمره مُتّهم بجريمة قتل من الدرجة الأولى.

معلومة على الجانب: تُسمى نوعية الأفلام التي تجري أحداثها في مكان واحد بـ Bottle Movies.

تمكن كلّ من الكاتب والمخرج من خلق جوٍ من القلق والتوتر في موقع تصوير واحد وبعدد شخصيات محدود، كل واحد من هذه الشخصيات له مبادئه وخلفيته الاجتماعية الخاصة والتي انعكست على أسلوب نقاشه واستجابته للحجج المقدمة من الآخرين.

يتّخذ المُشاهد عند مشاهدة هذه التحفة محل المُحلّف، فيقتنع بحجة ويرُدّ الأخرى، يندهش ويستنكر مثل المُحلفين الآخرين، فكل 10 دقائق من الفيلم تستدعي التمهل والتفكير، أو التعجب والاندهاش.

تحليل الشخصيات

المُحلف رقم 1 (السيد فورمان)

المحلف الأول والذي يُدير النقاش بين المُحلفين الآخرين، يقترح في البداية فكرة التصويت على إدانة أو تبرئة الفتى المُتهم. لم يكن له نصيب في إبداء رأيه الشخصي أو طرح شكوكه إذ تمحور دوره الأساسي حول إدارة النقاش وتنظيم الأصوات وتوفير ما يحتاجه المُحلفون الآخرون من أدوات تساهم في تطوير النقاش. شخصية متعاونة لكنها تفتقر لروح القيادة.

المُحلف رقم 2

ليس له خبرة كافية في هيئة المحلفين إذ أنها قضيته الأولى، شخصيته ضعيفة نوعا ما حيث لم يكن له رأي قوي أو حجة يقدمها بل إن الأغلبية لم يُعر رأيه أيّة قيمة، ذلك لأنه يقف في الكفة المائلة من الميزان، لكن رغم ذلك فقد كان متعاونا ومساندا لزملائه الذين يشاطرونه نفس الرأي.

المُحلف رقم 3

شخصية عصيّة الإقناع، صعبة المِراس وسريعة الانفعال، رغم تصريحه في بداية الفيلم بأنه يتعامل بالحقائق، إلا أنه أبعد من ذلك بكثير. كثيرًا ما جرّه انفعاله وغضبه لمواقف حرجة أضعفت حُججه وموقفه. فيما يتعلق بالموقف فهو يمثل القطب الموازي للمُحلف رقم 8.

“هكذا هم الأولاد هذه الأيام، في صغري كنت أنادي والدي بسيّدي”

المُحلف رقم 4

واحد من أقوى الشخصيات في الفيلم، يضع مبادئه وعواطفه على جانب فلا يتعامل إلا بالمنطق بطريقة موضوعية موزونة، صعب الإقناع، ذلك لأنه يواجه الحجة بأخرى أقوى منها تستدعي التمهل والتفكير، له آراء قوية مسموعة من أقرانه المُحلفين، واثق من نفسه ومن موقفه. فيما يخصّ الحجج والبراهين فهو يمثل القطب الموازي للمُلحف رقم 8.

“هل تنتظر مني تقبّل صدفة نادرة مثل هذه؟”

المُحلف رقم 5

شخصية ضعيفة بعض الشيء، إلا أنه ساهم في النقاش ودعّم موقفه بحجج جيدة جدًا، وضع بعضًا من عاطفته على طاولة النقاش، خاصة بعد ما استفزه المحلف رقم 10 بعد حديثه عن سكان المناطق الفقيرة في مدينة نيويورك (أين حدثت الجريمة ووقعت أحداث الفيلم) كونه نشأ في تلك الأحياء.

شاهد: أفضل الأفلام الكلاسيكية التي يجب عليك مشاهدتها

المُحلف رقم 6

شخصية قوية كذلك، يتطلب الأمر بعض الجهد لكسب صوته، إلا أنه متعاون ومساند حتى لمن يقف ضده في الرأي، كان الوحيد الذي وقف في وجه المُحلف رقم 3 عند انفعاله.

المُحلف رقم 7

مُتهاون ومُستهزئ، لا يقدّم حجة ولا يستمع لأخرى، همّه الوحيد الخروج من الغرفة في أقرب وقت للذهاب لمباراة البيسبول، صوته مرهون على تلك المباراة إذ ظهر منذ بداية الفيلم في عجلة من أمره، فلو استدعى الأمر تغيير رأيه لتحقيق الإجماع يفعل ذلك مع ابتسامة عريضة على وجهه.

“وما الفرق الذي سيحدث لو طال الأمر؟ ماذا سيحدث لو سوّينا الأمر في 5 دقائق؟”

معلومة على الجانب: في القضاء الأمريكي، يتم إشراك 12 من المواطنين غير المتخصصين في القضاء في المحاكم ويُؤخذ برأيهم، وفي معظم الولايات الأمريكية فإن الحُكم لا بد أن يكون بالإجماع.

المُحلف رقم 8 (ديفيس)

واحد من أقوى الشخصيات أيضا إن لم يكن الأقوى على الإطلاق، وقف وحيدا برأيه في بداية الفيلم، ثم قلب الغرفة كلها وجعل المُتأكد متشكّكا، دخل الغرفة متفرّدا بقراره لا لأنه متأكد بل لأنه غير متأكد، فرفض أن ينهي نقاشا يحدّد حياة أو موت إنسان في دقائق، وقال ببساطة أنه رغم عدم تأكده إلا أنه يودّ التحدث في الأمر احتراما لحياة المُتّهم. يلتقط أي كلمة وعبارة يسمعها ويستخدمها كحجة ضد قائلها، فكثيرا ما وقع المُحلف رقم 3 في فخّ هذا الصياد بسبب انفعاله. يمكنه خلق حجج قوية بمعلومات مرجعية بسيطة بفضل ذكائه وحنكته.

“ليس من السهل رفع يدي وإرسال فتى ليلقى حتفه من دون الحديث في الأمر أولًا”

المُحلف رقم 9 (مكاردل)

أكبر المُحلفين سنا وأقوى مساندي المُحلف رقم 8، لديه نظر حاد وملاحظة قوية، فيرى ما لا يراه الآخرون ويستنتج من أشياء بسيطة حججًا قوية جدا كافية لإقناع المُحلف رقم 4. حكمته الواسعة أكسبته احتراما كبيرا بين المُحلفيْن رقم 8 و6 والذي كان يُسكت كل من يرفض الاستماع له.

المُحلف رقم 10

رغم سنه الكبيرة كذلك، إلا أنه لم يحظَ باحترام أيّ أحد، ذلك بسبب آراءه حول سكان المناطق الفقيرة عن كونهم عالة على المجتمع الأمريكي، والتي استخدمها في نقاشه بدلا من الحقائق والأدلة. صعب الإقناع كذلك.

“لقد عشت بينهم حياتي كلها، لا يمكنك تصديق كلمة من كلامهم، كلهم كاذبون”

المُحلف رقم 11

مُهاجر قادم من خارج الولايات المتحدة، كان له دور فاعل في تطوير النقاش وتقديم الحقائق، يساند حتى أقرانه ممّن يخالفونه الرأي كما أنه واحد من أهم مساندي المحلف رقم 8. متعلم ومثقف، صادق وعادل.

“لا أعتقد أنني يجب أن أكون مُخلصا لجانب ضد الآخر”

المُحلف رقم 12

مثل المُحلف رقم 7 تماما، تعامل مع الموقف باستهزاء وصل لدرجة أنه كان شاردا عند مناداة اسمه لمعرفة رأيه، ظهر في أحد المشاهد وهو يصمم إعلانا لمنتج معين مُتجاهلا النقاش. رأيه متقلب بين هذا وذاك، إذ هو الشخص الوحيد الذي غير رأيه في الفيلم مرتين.

حاز الفيلم على العديد من الجوائز منها جائزة الدبّ الذهبي لعام 1957 و 4 جوائز غولدن غلوب وغيرها الكثير.

الفيلم مُصنّف ضمن قائمة أفضل 250 فيلم في التاريخ على IMDb بتقييم 9 نجوم.

تحفة سينمائية خالدة مدتها 96 دقيقة فقط، إذا كنت ممن يستهينون بقوة النقاش فهذا الفيلم لك دون غيرك.

المقال من كتابة: بوبكر نعيمي

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.