بداية انطلاقة شركة آبل بمنصة جديدة خاصة بها تصدر من خلالها مسلسلات وأفلام، الأمر أصبح سهلًا بعد أن مهدت نتفلكس الطريق. رأينا الكثير من المنصات نجحوا بجذب المتابعين واستقطابهم وتكوين شعبية لهم ولكن لا أعتقد بأن آبل ستكون أحد المنصات التي تقدم شيء فني عظيم هذا ما رأيته في أول مسلسل شاهدته من منصة آبل. رأيي قد يكون مبني على رؤية شخصية لأنني أعرف الشخصية التي تم اقتباسها بالمسلسل وقد شاهدت فيلمًا يتحدث عنها وقد تملكني وجعلني أعشق الشخصية وأبحث عنها وأتعمق بها A Quiet Passion (نصيحة: لا تشاهد المسلسل قبل الفيلم) مشاهدة الفيلم ستجعلك تكره المسلسل بكل مافيه وسأخوض بكل شيء لم يكن بموضع جيد لمسلسل تاريخي يحكي قصة شخصية حقيقية.
إعداد المسلسل لتلك الفترة دمر كل شيء، لم يكن هناك أي إعداد ولم يكن هناك اهتمام لتفاصيل الحقبة من أشياء كثيرة منها اللغة، والسلوك وهذه أشياء تجعل عدم تقبلك للعمل يبدأ من أول حلقة. يبدو بأنهم يريدوا أن يستقطبوا جمهور مراهق ولكن بهذه الطريقة لن تجد أحد يشاهد مسلسلك الغبي الذي جعل كلاسيكية تلك الفترة تتمرغ بالتراب واستبدلها بلهجة همجية ألفية شقية (قليلة أدب). عملية التقديم ببداية العرض أصابتني بإحباط شديد ولم أكن متوقع هذا المستوى من مسلسل تم تجديده لموسم ثاني. كنت مترقب دراما أدبية عن شخصية عانت بحياتها و أصبحت بعد موتها من أهم الشعراء الأمريكيين ولكن تفاجأت وقابلت مهزلة مراهقين وقحة تقدم بعض الأمور الجدية (مثل المرأة ومشاكلها بتلك الأيام) ولكن تم عرضها بشكل به هزل قبيح ولم يتم تدعيم تلك الأمور بدراما جدية بل استخدموا بعض الأمور الشهوانية وتمثيلها بذلك البركان وتم ربط الأمر بتحرر المرأة سواءً جنسيًا أو بأمور أخرى ولم يعجبني هذا أبدًا.
إن كنت تبحث عن مسلسل تاريخي مقتبس من حقبة قديمة بدقة فسأقول لك لا شيء يوجد هنا مرتبط بالتاريخ سوى اسم المسلسل فقط يبدو بأنني سأظلم المسلسل ولكن أهم الأشياء التي من المفترض أن تراها بعرض تاريخي ليست هنا لا موسيقى ولا حتى لهجة الكلام تدل على أنك في ذلك الزمن فالحديث هنا كأنك تشاهد مسلسل مراهقين تقدمه شبكة CW والمختلف أن CW لا تتصنع وتأتي بشخصية ولدت بسنة 1830 وتتحدث كفتاة ولدت بالألفية الجديدة شيء متناقض ومستفز وحتى الحركات الجسدية والتهكم اللفظي جميع ما قلت تم عرضه بنظره معاصرة. نص سيء جدًا ويكمل السوء في عدم الاهتمام باقتباس الحقبة جيدًا نص قد يكون مقبول لمسلسل تقع أحداثه في سنة 2019 أو 2018 أو أي سنة من السنوات الأخيرة أما بتلك الحقبة نجد هذه العبارات التي لم تستخدم حينئذٍ آه يا خسارة الميزانية التي تم دفعها لكاتب لا يعلم كيف شخصياته تتحدث حتى تتشبث به فوضى تحطم المتابع وتلحقه بكل جزئية بالمسلسل.
الكاتب جعل مسلسله هكذا ليكون قريب من الجمهور المستقطَب وهم “المراهقين” ليجعلهم يتعاطفوا مع الشخصية المكبوتة التي لم تكن تخرج من غرفتها كثيرًا ويتم التركيز على مخاوفها ومشاكلها ليتم استدراجهم ليكملوا المسلسل ويكملون رؤية معاناة الشخصية واسقاطها على حالهم. مع وجود شخصية كهذه ما نجح فيه الكاتب هو الاستخفاف بالمشاهد بصنعه لشخصية معروف عنها مسبقًا بحكمتها الأدبية وعبقريتها وذكاءها ثم يحد منها ويجعلها كمراهقة ألفية تتكلم كلامهم وتتحرك حركاتهم وتشكي من العرف آنذاك وتتظلم وتفعل أمور جريئة وهي التي كان معروف عنها انطوائيتها وأنها لا تفارق منزلها إلا للضرورة الكبرى ولكن نراها تمرح وترتع هنا وهناك لأن الكاتب فرض علينا رؤيته الناقصة للشخصية والذي ذهب ليجعل من تكهنات وشائعات عن الشخصية شيء حقيقي وتم وضعها في العرض ويوهم المشاهد بأنها حقيقة لا اختلاق بها. من أكثر الأشياء التي تدل أن المسلسل يستقطب المراهقين هي الموسيقى الحديثة عندما تسمع راب وتسمع بيلي إليش هنا تعلم بأن المسلسل يريد استقطاب جمهور حديث وصغير.
الأسلوب الذي اتخذه الكاتب لطرح القصائد على المشاهد لم تكن أداة جيدة بل كانت تشتت المتابع ولم أجد ربط جيد بين محاور القصائد مع الأحداث ما عدى قصيدة البركان برغم أن المغزى قبيح ولكن يكتب له بأن توفق بالربط بينهم. صراحة مسلسل لا معنى لوجوده ولم يكن عميقًا أبدًا ولا حتى سطحي بل يحوم حول السطحية. الكاتب لم يتوفق في إدراج قصائد الشخصية بخطوط قصصية ودمجها مع الحالة العاطفية المعقدة المعروفة عن الشخصية وجعلها أكثر تناغمًا وشاعرية، ولو أنه قدم العمل بأكثر جدية سنجد تلك المواضيع الجدية عن طموح مواجهة الضغوط التي قابلتها المرأة بالمجتمع بشكل حازم وشجاع ولكن بالأسلوب الذي تم عرض المسلسل لنا لن يهتم أحدًا بتلك المراهقة الشقية. في الأخير شاهدته رغبةً لرؤية شخصية عظيمة وإذا بي أنتهي بمشاهد شخصية حقيرة ترفض الوسط بشكل فظ، كل ما رأيته مجرد مراهقة تفعل ما تريد لتقهر النظام الأسري والمجتمعي بشقاء.
في النهاية هناك مترجم ترجم بعض قصائد الشاعرة وأعاد نظمها وأفضل ما قرأته هذه الأبيات:
فالطـــير خــير مُفـــوَّهٍ … يُزجي لنـــا
عِـوضـاً عــن الكــلمات .. عذبَ صُداح
مُــتـواصــلاً ، في شـــــــدوهِ ، مترسِّلاً
مُــــستـــهزئــاٍ – دوما – بكــــلِّ جــراحِ
نـــشــوانُ … لا يثنيــه عن تغـــــريده
قـــصـفٌ لــرعدٍ ، أو صــريرُ ريـــاحِ
جـذلانَ … يـبعـث في النُّفوس بشاشــةً
ويُــــحيـلُ مــأتمَهـا .. إلى أفــــــــراحِ
يـــسـمـو عــلى أوصــابـه ، ونـــدوبـه
مُتــــرفِّعـاً … عن أنّـــــةٍ ، ونــــــواحِ
ويبــيت مــقـروراالحــــشا ، وهو الذي
يغـــــدو يــشيع الدِّفء …. كلَّ صباحِ
إنِّـــي لأســـمعه ، بـأنـأى لُـــــــــــجَّةٍ
يــــأسـو جـــراحَ المـــوج .. والمــلاَحِ
وأخـــالــه .. في الزَّمــــهرير مُغـــرِّداً
فــي بــلــــقـعٍ قــفــــرٍ .. مــن الأدواحِ
مُـــتلفّـفاً ….فـــي بُـــردةٍ مـــن شــدوهِ
مُــــتلفِّــعـــاً – من سجــعهِ – بــــوشـاح
لــكــنَّـه – وهو الطَّلــيح من الطـــوى –
يـــأبى اجتـــداءَ السَّـــاغـبِ الملــــتاح
ترجمها وأعاد نظمها: عاطف يوسف محمود.
About Author
أشكرك جزيل الشكر على جرس الانذار هذا الذي انقذني من محاولة مشاهدة المسلسل. تباً لهم على سخافتهم القذرة.