أفلاممراجعات

كيف تنتصر في حربٍ خصمك فيها هو نفسك (مراجعة Us)

 

(تحتوي المراجعة على حرق لأحداث الفيلم)

في سنة 2017 نجح المخرج الأمريكي جوردان بيل في جذب اهتمام النقاد والمشاهدين خصوصاً من محبي أفلام الرعب بفيلمه Get Out الذي كان دقيقاً بما يكفي ليقنعنا بأن القلق في الحياة اليومية لإنسان عادي يستطيع أن يكون بمستوى خطورة ورعب قصص الأرواح والأساطير الخيالية المخيفة، فعلى الرغم من أننا نعرف الواقع لكننا نجهل إلى أي مدى يمكن للحقيقة أن تتشابه مع ما نعتقد بأنه وهم ومن خلال هذا الشك المعقد يستلهم (بيل) فكرة فيلمه الجديد Us ولكن هذه المرة الشر لا يتجسد في الآخر كما في Get Out العدو هو نحن أو الانعكاس الذي لم نكن نراه لأنفسنا.

يركز Us على عائلة تقرر الذهاب في رحلة إلى ساحل كاليفورنيا ويستغل (بيل) علاقة أفراد العائلة لبناء التوتر الدرامي الذي يتصاعد بشكل رائع خلال الفيلم بالإضافة إلى المشهد الافتتاحي الذي يرجع بالزمن إلى حادثة تختفي فيها طفلة عن والديها داخل مكان مجهول  تتجول الطفلة وحيدة في ممرات المكان حيث الكثير من المرايا حتى نصل معها إلى حقيقة وهي وجود طفلة مطابقة لها وقبل أن نعرف معنى أو نتيجة هذا اللقاء الغامض نعود إلى الزمن الحالي حيث نكتشف أن هذه الذكرى هي من طفولة آدليلايد (لوبيتا نيونغو) التي تبدو غير مرحبة تماماً بفكرة الذهاب إلى هذه الرحلة برفقة زوجها وأولادها. ويترجم هذا القلق بشكل مباشر ورمزي أيضاً في مشاهد مثل وصول العائلة إلى الشاطئ واللقطات المثيرة للاهتمام والمثرية بصرياً مثل لقطة الظلال الطويلة لأفراد العائلة أثناء سيرهم على الرمال وما ترمز إليه من اقترابهم نحو مرحلة سيطرة أشباههم عليهم. وشيئاً فشيئاً تتجه هذه الرحلة العائلية العادية لتؤكد مخاوف آدليلايد غير المفهومة نحوها وتحديداً عند إدراك هذه العائلة التشابه بينها وبين العائلة الأخرى التي تقتحم منزلهم ولا ينحصر الرعب في حقيقة أن حياتهم مهددة بل يأخذ منحنى فلسفي حيث أن الخطر يتجسد في إدراك إلى أي مدى تبدو هذه الوجوه الغريبة مألوفة وإلى أي درجة يكون فيها هذا التشابه مفزعاً ومنفراً

على الرغم من أن الفيلم يحتوي على عناصر قد تجعل أذهان المشاهدين متركزة في الأحداث ونمط المطاردة المعتاد بين شخصيات تمثل عنصر الخطر وأخرى تكون هي الضحية التي تلوذ بالفرار وتحاول النجاة بحياتها لكن لا يمكن إغفال الرمزية في هذا الفيلم والرسائل الاجتماعية والسياسية التي يحاول (بيل) تمريرها من خلاله والتي قد تتطلب أكثر من مشاهدة لفهمها بشكل أوضح ويعبر عنها من خلال دلالات مثل الإعلان على شاشة التلفاز في المشهد الافتتاحي للفيلم (Hands Across America) حيث يظهر مجموعة كبيرة من الأشخاص يمسك كل منهم بيد الآخر على شكل سلسلة بشرية وتتضح لاحقاً أهمية هذا الإعلان في فكرة الفيلم وإن كانت الغاية من اختياره متروكه لفهم المُشاهد. وهذا الإعلان هو حملة حقيقية حدثت سنة 1986 حيث قام حوالي 6 ملايين شخص بالوقوف بنفس الطريقة متماسكين الأيادي لمدة 15 دقيقة والهدف من هذه الحملة جمع تبرعات للجمعيات الخيرية لمكافحة التشرد ومساعدة الفقراء ويمكن ربط الفكرة بالطبقية وإن كانت ترمي إلى ما هو أبعد من ذلك. كذلك الرموز التي عُبر عنها من خلال الزمن مثل الساعة 11:11، عندما تلاحظ آدليلايد الوقت على الساعة الرقمية في حجرة ابنها جيسون وتشير إليها بنبرة تلمح أنها مصادفة مقلقة وهو على ما يبدو مؤشر يرمز إلى التطابق الذي يدل على نفس المعنى في الأرقام، فمهما قمنا بتغيير اتجاهات الأرقام والحالة التي تُقرأ فيها حتى عند الانعكاس تكون بنفس الطريقة. بالإضافة إلى الأدوات التي نجد أن (بيل) يركز في توظيفها مثل الشكل الذي يشبه رأسين لشخصين متطابقين في المقص الذي تحمله نسخة شخصية آدليلايد أو (ريد). كذلك وجود الأرانب التي ظهرت في مشهد افتتاحي رائع وتم تفسير وجودها من خلال (ريد) بأنها ما تتغذى عليه النسخ البشرية في حياتها في الأنفاق وربما يكون سر اختيار الأرانب على وجه التحديد هو علاقتها بالخدع السحرية وفكرة الأزواج المتماثلة، فحين يقوم الساحر بإخفاء أرنب في قبعته ومن ثم اظهار الأرنب  من نفس القبعة لا نستطيع أن نجزم إن كانت الخدعة في الظهور المفاجئ للأرنب المخفي أم في حقيقة أننا لم نلاحظ وجوده داخل القبعة.

         الفيلم ثري أيضاً بدلالات تعبر عن تأثره بأيقونات في سينما الرعب التي يبدو أن (بيل) استلهم منها أفكاره مثل مشهد الشبيهتين التوأم في منزل أصدقاء العائلة في إشارة لفيلم كوبريك The Shining.الطفل جيسون يظهر في إحدى المشاهد مرتدياً قميص عليه شعار فيلم Jaws في مشهد السيارة العائلي كما تظهر إلى جانب التلفاز في بداية الفيلم أشرطة (VHS) من بينها فيلم الخيال العلمي والرعب C.H.U.D الذي يدور حول أكلة لحوم بشر يعيشون تحت الأرض. كما يمكن ملاحظة تأثير روائع سينمائية لم يتم الإشارة لها بشكل مباشر والتي يعود لها الفضل في إلهام الكثير من الأفلام المميزة حتى اليوم مثل رائعة المخرج السويدي إنغمار برغمان Persona الذي نرى ارتباطه بشكل فلسفي في Us من خلال فكرة مرآة الذات وأزمة فردية الهوية على الرغم من أنها لم تناقش بالعمق الدرامي المأمول في الفيلم واكتفت بتأثير الرمزية الذي كان كافياً لجعل الغموض في مشهد النهاية مثيراً للاهتمام أكثر. كما قد صرح المخرج والكاتب (بيل) سابقاً عن تأثره بمسلسل الرعب والخيال العلمي الكلاسيكي The Twilight Zone في كتابته لهذا الفيلم وتحديداً حلقة بعنوان Mirror Image التي تتمحور حول امرأة شابة تدعى ميليسنت بارنز، بعد أن تستعلم عن سبب تأخير رحلتها تكتشف أن هنالك غموض حول أحداث لا تستطيع تفسيرها مثل إصرار الرجل الذي يعمل في المحطة أنها كانت قد طرحت عليه نفس الأسئلة عدة مرات بالرغم من أنها لا تتذكر حواراً دار بينهما قبل هذا الحوار وتفقد إحساسها بالواقع عندما تشاهد نسخة من نفسها تجلس في الحافلة.

استخدام الموسيقى من أبرز الإيجابيات التي ساهمت في إضافة جانب ساخر وكوميدي في الفيلم دون أن تقلل من جديته وهو أمر ليس بالسهل، فالكوميديا قد تضعف من عنصر الرعب في بعض الأفلام ولكن الاستخدام الذكي لها نجح في التوفيق بين الجانب الدرامي والجانب الساخر وتوظيفها بشكل يغذي التوتر في الفيلم.  وعلى الرغم من القصة تبدو أقل تماسكاً في الجزء الأخير من الفيلم لكن العلاقات بين الشخصيات أثارت فوضوية إيجابية  حيث جعلت لكل شخصية إيقاع مختلف عن الأخرى في حربها مع شبيهها. وفي مرحلة من الفيلم تفترق العائلة ليخوض كلٌ منهم حربه الخاصة،فمثلاً نشاهد أن غايب ويسلون يقاتل شبيهه بشكل كوميدي يتناسب مع شخصيته ونظرته السطحية التي يُعبر عنها بتركيزه على الماديات. بينما الطفل جيسون الذي يتميز بشخصية غريبة وإصراره على ارتداء قناع تكون مواجهته مع شبيهه أكثر عمقًا، فحين يكشف الشبيه عن وجهه المصاب بحروق خلف قناعه كأنه يواجه الجانب المظلم الذي يحاول إخفاؤه عن ذاته. أما شقيقته زورا ترفض مواجهة شبيهتيها ذات الابتسامة المخيفة في البداية وهو ما يعبر عن تهربها من واقع معين ولكنها يبدو أنها تصبح متصالحة معه في نهاية المطاف وتنجح في فرض وجودها ومكانها في عائلتها. الحرب الأهم بالطبع هي حرب آدليلايد ضد شبيهتها والتي تصبح أكثر أهمية عندما نكتشف في النهاية أن المرأة الشبهية (ريد) هي الأصل وهي الطفلة التي أضاعت طريقها في المكان الغامض بالقرب من الشاطئ الذي شاهدناه في بداية الفيلم والمثير أننا لا نكتشف هذه الحقيقة من خلال (ريد) بل من خلال ذكريات من كنا نعتقد بأنها  آدليلايد بعد قضاءها على شبيهتها، كأنما كان لابد من موت إحداهن لتدرك الأخرى أنها الانعكاس وليس الصورة.

في النهاية تختلف الآراء حول تفوق (بيل) بهذا الفيلم على سابقه Get Out أو تراجعه خصوصاً أن Us أكثر ازدحام بالأفكار وأقل مباشرة في معالجته وأكثر وضوحاً من ناحية عيوبه، رغم تشابه الفلمين من ناحية أن أبطال القصة في كِلا الفلمين يقعون في فخ الهوية وكلا الفلمين ينضمان إلى قائمة أفلام الرعب المميزة التي فرضت نفسها في السنوات الأخيرة بقدرتها على مناقشة فكرة معقدة بأسلوب مثير وأحياناً ساخر. وهو دليل على جرأة (بيل) الذي كان من الممكن أن يكرر تجربة Get Out التي نجح فيها لكنه كما يبدو فضّل أن يتحدى نفسه بفيلم يستفز المُشاهد بغموضه ورمزيته وتعدد غاياته عِوضاً عن الاستفزاز بدمويته ومستوى العنف فيه كما جرت العادة في الكثير من أفلام الرعب. ولذلك كان تعدد استخدام اللون الأحمر في الفيلم عاملاً مؤثراً في خلق حالة التوتر والاستفزاز كما كان اللون الأزرق مؤثراً في Get Out من ناحية ملائمته لحالة الوِحدة والوهم التي يعيشها بطل القصة. ومع أن US ممتع بصرياً لكن كان هنالك فرصة لم تُستغل من قبل (بيل) وهي إضافة لمسة سريالية لاسيما أن واقع الفيلم فوضوي بما يكفي لمنحه عمق ينسجم مع رمزيته.

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.