أهلا وسهلًا ومرحبًا بكم في هذه السلسلة مرة أخرى، ومع مسلسل آخر يستحق المشاهدة بكل تأكيد ولن يندم أي محبٍ للدراما على ما سيشاهده. حتمًا ستحب، حتمًا ستعشق التصحيح مع مضي حلقاته وستجد طريقة لتحبه مع ذلك الطابع الخاص الغريب المتواجد في المسلسل الذي ينتصب على التأمل والهدوء التام. عرض يدور حول الأمل في هذه الحياة الميؤوس منها فقصتنا تدور حول جريمة قتل فظيعة تضع الشخصية الرئيسية في الحبس الانفرادي، طوال مرحلة المراهقة ولكن مع وجود أدلة جديدة يتغير الحال، يتم فتح القضية من جديد وتخرج شخصيتنا من السجن وتبدأ من هنا القصة.
يسمح التصحيح بوجود ذلك الأمل حتى وإن طال الزمن حتى وإن كانت الأحوال شاقة، فالأمل مازال هنا في عنان سماء هذا العالم ما لنا إلّا الرجاء ليقدم. دانيال ضعيف الروابط فقد مضى عقدين من الزمن وحيد في أمتار معدودة مأمور بلا حرية، نضج عقله المراهق بين تلك الجدران البيضاء ومع تلك الكتب التي كانت كالصديق ووجد بها العزاء. دانيال وعائلته والدراما التي تتخذ على عدة أشكال بينهم فمع بداية الحلقة الأولى سنرى ندوب هذه الشخصيات ومشاكلها وتعقيداتها لنرى ما بأنفسهم ولنترابط معهم بوجود ذلك التفاؤل الصامت الذي يكون مرتبط إما بالروحانية أو بالدين ونرى ماذا يقود الشخصيات لتتوفر لهم مسارات درامية تستمر بها الحبكة بالمضي بهدوء لنتجول بضياعهم وبانبعاث وحدتهم وننظر لمصدرهم الداخلي الانفرادي الذي يبحث باستماته لإيجاد الأمل في الذات. يتم تأطير هذا العرض لأسباب بعينها لتبني بعض المعاني فالعرض ليس عن شخصية أو رؤية طريقة حياة ورؤية كيف يتكيف دانيال، العرض عن أسلوب رؤيتنا للعناصر “دانيال وعائلته” ويعتمد هذا الأسلوب العرضي لنأخذ من خلاله معنى أو معاني. يعتمد العرض على تلك الصور التي يعرضها وما يخفى بها من معاني وحتى أن العرض يعتمد على الصمت في كثيرٍ من الأحيان. الكاميرا تتبع دانيال بدون مضايقة وتعرض الاضطرابات والتردد والصدمات التي يتعرض لها والتي قد اعتلجت في أغوار صدره، وصدعت فؤاده.
اِقرأ أيضًا: مراجعة الموسم الثاني من مسلسل Mindhunter
حقيقة يجب أن أقولها بأن العرض رتيب جدًا فلابد من حبك للدراما التي تجعلك تركز على الرمزيات والنص والشخصيات أكثر من وجود إثارة فالحقيقة ليس هناك إثارة حارقة هنا فالهدوء يلم هذا العرض فوجب التنبيه. قد يجعلك كلامي السابق تعزف عن هذا العرض ولكنه حتمًا يستحق المشاهدة وأفضل ما به هو التعامل مع الأحداث بهدوء تام. الهدوء المتواجد في العرض يجعلك تنغمس في الإطار الدرامي والعملية نفسها لتكيف دانيال ومتابعة حياته بعد خروجه من السجن. ليس هناك توجه بمسار قصصي لهدف معين فنحن نعيش مع شخصية لم تعش مراهقتها أبدًا، فنعيش مع هذه الشخصية بتعلمه أشياء لم يرها من قبل ولا يعرفها فكل ما يعرفه هو الكتاب والجدار الأبيض ولهذا شخصيته رتيبة هادئة انفصالية فهذا مسلسل نمطي روتيني فهو متعود على روتين السجن وهذا ما غرز بالشخصية هدوء مميت فلا يمكن لأحد أن يخترق هذا السطح الهادئ. ما سيتحدث عنه العرض في البداية هو التكيف والمشاكل التي سيعاني منها مع التكيف مع عائلته، سنرى من بعد خروجه من السجن مدى انفصاله وجوديًا عن هذا العالم ولهذا التكيف مهم في البداية لشخصية عانت الكثير وستعاني.
التوق للاتصال بشيءٍ ما، هو شيء مهم بالنسبة لدانيال ويجعله يلعب دورًا حقيقيًا بعودته لطبيعته ولكن العلاقات دومًا ما كانت معقدة ولهذا يتعامل دانيال بهدوء مع كل شيء فهو شخصية ودودة لطيفة طيبة القلب وهذا ما يجعل طيبته محل نقاش بالنسبة للأخرين. القوة هي ما يحتاجها دانيال فخجله ومضيه بالأيام بذلك الهدوء والنظرات المتأملة لا ينفع ولهذا نراه نادرًا يرتبط بالأخرين بالطرق التي يتمنونها وأيضًا لعدة أمور نرى حالته مع عائلته تتشقق وتضطرب فهدوءه في بعض الحالات يقلب لغضب عارم وما يجعله يغضب هو أنه علق في نفس المكان المشؤوم الذي حبسه لمدة عقدين. عدم أمان المتابع لشخصية دانيال شيء مهم تم وضعه من قبل الكاتب ويأتي معه ثقته الساذجة في بيئته وهذا يفتح للمتابع مستوى واسع من انعدام الثقة والتوقعات. دانيال لا يعرف الكذبة البيضاء فهو من نشأ في عالم الأكاذيب لا تفعل لك شيئًا. تم استخدام الوتيرة المضطربة لدانيال في وضعه الجديد وتصويره في نفس الوقت بأنه بسيط وهادئ ولكن أيضًا بأنه مختل عقليًا وخطير بشكل ذكي لعدم الأمان وليتم استخدام عنصر المفاجأة بطرق خادعة ليتم اثارة الشكوك حول من تم فرض الرأي حولهم بأنهم أبرياء. هذا فريد وجديد وهو عامل لجذب المشاهدين فالكاتب يلعب بالكثير من المشاعر ويقوم بإتاحة التوقع. يتم دائمًا التركيز على التطورات والتشابهات المحتملة في الشخصيات ليعود العرض لبنيته السردية المعتادة ويتم اعطاء الشخصية معنى أكثر مما مر به خلال الأحداث المتداخلة وهذا ما يجعل العمل يأسر المتبع.
اِقرأ أيضًا: مراجعة لسلسلة Lord of The Rings “ملك الخواتم”
دراما نفسية، وتأمل في العدالة، وعقوبة الإعدام، والغموض التحقيقي. عرض به حوارات ونص ممتاز ترمي بثقلها على المشاهد والطريقة التي يتكيف بها دانيال بالعودة لهذا العالم والاعتقاد بأنه عاجز على هذا التأقلم فنراه هائم ليس لديه معرفة لإيجاد القدرة للتصرف بالطريقة الصحيحة. السجن قام ببناء شخصيته بتلك التجارب التي خاضها فيه وهذا جعله يخبِئ الكثير بداخل نفسه لنرى صعوبة مواجهة الواقع الذي هو مقبل عليه. الصعوبة صنعت تأثير بفاعلية عالية بين الأبعاد المتعددة التي تم تطويرها بعناية وواقعية وتم رسمها لشخصية دانيال بشكل مميز وأرى أن هذه الأبعاد طغى عليها الحزن والكمد وكأننا نشاهد ظلال رمادية في منتصف الليل. يأخذ العرض شخصية دانيال كاتجاه موضوعي حول ذلك السؤال الذي بزغ في ذهنه عندما خرج من السجن وهو هل أستحق العيش سواءً من وجهة نظر المشاهد أو من هم حول الشخصية، تلك الشخصيات التي تؤمن بما تم ضخه في عقولها عن هذه الشخصية منذ الصغر أو على طوال فترة الحكم، هذا يجعل الإيقاع في بعض أجزاء العرض يستمد قوته من الأحاسيس المتبادلة والتي تتأثر بمعكوس. جوهر هذه الشخصية سيبقى يمشي في تلك الدروب والمنتزهات والملاعب والمقابر ويتأمل العشب والشجر إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي يمنح به حريته وحينها يصبح شخصًا عاديًا.
التصوير في بعض اللحظات أعتمد على التركيز على دانيال بلقطات طويلة وزاوية بها سعة لترمز بإثارة للحرية الممنوحة للأشخاص التي لا حدود لها، أما بالنسبة لدانيال فهي ترمز للعكس تمامًا فهي تدل على عجزه التام تجاه عالم أصبح كبيرًا جدًا عليه. كل شيء كان له سابقًا أُخذ، فغرفته لم تعد له، أشياؤه القديمة وجدها مرمية في العلية وكأنه مات حقًا. كل هذا ليشعر دانيال بعدم الراحة ومواجهة الحقيقة الجديدة. هناك الكثير من الرمزيات في هذا العرض فمن أنين الأرضية عند المشي عليها، إلى ذلك الظل الذي يتراجع من تحت الباب، إلى بياض الجدران، إلى مشهد وقوف دانيال في وسط ملعب البيسبول التي كانت رمزية عظيمة جدًا لشيء سيحصل له، إلى اللون الأصفر الخافت بتصوير العرض الذي يدل على التفاؤل والإيجابية والأمل وهناك رمزيات كثيرة أتركها لكم لتتأملوها. رحب بمظهر القاتل والتهديد ومع ذلك أول ما قاله هو أن أحداث السنوات العشرين الماضية جعلته يعتقد بأن يومًا كهذا لن يأتي، يقول هذا الكلام وهو لا يهتم حتى بالخطر الذي يحيط به. صدمة لا يمكن أن تصف بكلمات لا يمكن تخيلها لرجل تقلب أمام جداره الأبيض لعشرين عامًا نسي كل شيء نسي جمال الشروق والغروب نسي جمال سماع حفيف الشجر نسي الحرية. سنواته التي مضاها في تلك الزنزانة ألقت بظلالها الطويلة لتشكل مستقبله كما شكلت ماضيه.
أداء مميز جدًا من جميع الممثلين طاقم تمثيلي ممتاز جدًا فلا أذكر أن هناك شخصية لم يكن ممثلها متقمصها بشكل مميز. أهم ممثل يستحق الذكر (ايدن يونغ) “دانيال” الذي أظهر تآلف وتناغم مميز لشخص مضى عقدين في زنزانة ينتظر تلك الطرقة التي ستجعله يغلق عينيه للأبد، نراه يجوب كل مكان بهدوء فقد كان بعيد عن المشي بحرية لتجول عينه ويستوعب المجتمع البشري وما حدث له فهو غريب في مكانٍ غريب فكل ما حوله يعتبره أحجية لنفسه، فيسمح لأفكاره بالتسلل وإلقاء نظرة غريبة ومقلقة على محيطه. دومًا هو يتأمل، تعتقده مشغولًا بتأمله ولكنه يركز بشدة على كل ما يدور حوله ليحلل الأمر ويحاول معرفة كيف يتفاعل معه بالطريقة المناسبة. كل هذا تم تجسيده بتعابير تجلت بإحكام.
اِقرأ أيضًا: Rescue Me كوميديا سوداء وسط نيران مشتعلة
الشعور بالوحدة، والحزن، والخسارة خلقت جروح لا تغلق وهذا ما جعل هناك اعترافات جردت الواقع لتكوّن علاقة دانيال المضطربة مع عائلته. الأم جانيت التي طالت معاناتها، شقيقته المخلصة أمانثا، تيد الذي لن تجد متابعًا واحدًا حبه فهو مكروه بشكل بغيض جدًا ولكنه مهم للأحداث والقصة بما أنه من العائلة ويعتبر من ركائز المسلسل المهمة وطبعًا يا له من تمثيل جعل الكل لا يتهاون في سبه بكل حلقه من حلقات العرض. المحامي الذي يلاحق براءة دانيال، غير قادر على ترك دانيال يقف وحيدًا مرة أخرى فهو يستحق العيش معهم. تويني زوجة تيد اللطيفة، البريئة، المتدينة التي صنعت من دينها شيء قائم على التعاطف -أنا أراها شخصية معقدة لا تفهمها بسهولة-. فمن الطبيعي أن يرَ دانيال أنه عبء لا يطاق على الأسرة.
تم عرض أكثر المواضيع واستكشافها بشكل معقد، وعندما يواجه مشكلات يقوم بحلها بشكل مباشر فليس هناك أي خوف من تعبير الكاتب بشكل درامي عن نظرته للعالم الذي بناه. وهذا ما جعل العرض مميز وفريد فقد امتلك تلك النظرة الخاصة لعالمه. لم يتم رسم حدود للمشاهد ليفرق بين الخير والشر، والشعور بالبراءة والذنب، وبهذا تم خلق عالم واقعي. على الرغم أن التقدم بطيء ويعتبر قاتل بلا رحمة إلا أنه يبعث القلق والتوتر وهذا يسود أرجاء القصة، وبه تلك التحولات بوتيرته لتخفيف التوتر ومنح المشاهد لحظة هدوء منه. وقد يخطف الكاتب في بعض الأحيان لحظة فكاهية في أشد الأحداث قساوة ليصنع لنا لحظة محببة بين يأسنا وفتور مشاعرنا.
اِقرأ أيضًا: The Boys الأبطال الحقيقيون.
عرض أوجد نفسه من بين عدة عروض فهو يعرض محادثة طويلة عن معنى أن تكون على قيد الحياة، قد يكون التصحيح عن شخصية ماتت لمدة 19 عامًا ثم سنحت له الفرصة للعيش مجددًا، الحرية التي نالها بعد عقدين هي هبة قد تعتبر نقمة فمن المستحيل قبولها ولهذا نرى الأحداث رتيبة ونبدأ بالتكيف مع دانيال. عرض درامي أبدع وأمتع، جلب شيء جديد على الشاشة. في النهاية أرجو أنك استمتعت بالقراءة، ماذا تنتظر اِذهب فأمامك دراما قوية لن تترك قلبك خاملًا، ولا عقلك هادئًا، ولا شعورك خامدًا.
About Author
