تلفازمراجعات

Rescue Me كوميديا سوداء وسط نيران مشتعلة

 

 

كان الوصول في السابق لمشاهدة المسلسلات صعبًا، فالقليل من كان يشاهدها والكثير كانوا ينتظرون كرتونهم المفضل بأحد كواكب قناة سبيستون أو قناة MBC3 أو قناة Space Power (قد أكون أحدهم خلال عامي 2007-2008) وهناك من كان لا يهتم. لكن تطور الوضع إلى أن تم تسهيله عما سبق. لكن مشكلة النت البطيء لم تحل ولهذا أكثر من تابع المسلسلات وبدأ يعيش مغامراتها كان مع مطلع سنة 2011 ومع وصول منصة نتفلكس للشرق الأوسط وهذا صنع لنا معضلة أن أكثر المسلسلات الدرامية تكون عديمة الشعبية أو حتى أنها تكون غير معروفة لسبب عدم توفرها في منصة نتفلكس أو أنها لا تروق لذوق مشتركي نتفلكس، ولهذا تستمر مطمورة الصيت حتى تجد من يمدحها ويوصيها للأخرين، وهنا يبدأ المسلسل بالانتشار بشكل ضعيف، ولكن يبقى أن هذه المسلسلات مختفية خلف طبقات كثيرة من عدم الرغبة وافتقار أذواق المشاهدين للمهنية ولهذا سأحاول أن أظهر بعضها للسطح وسيتم التوصية وكتابة مراجعة لمسلسل منتهي ليس له شعبية (عربيًا) في عرب ويرز شهريًا أو كل شهرين.

 

 

@FX

 

في تلك الحادثة التي وصل شواهدها أدنى العالم، ودون تاريخها في ذهون الناس كأحد الأيام السيئة بتاريخ أمريكا فلا يوجد إنسان لا يعلم هذا التاريخ الحادي عشر من سبتمبر (ناين إليفن). نعم، إنه تاريخ سقوط البرجين. قصة المسلسل تتحدث عن رجال الإطفاء الذين يخوضون الصعاب لإنقاذ الأرواح من إنسٍ وحيوان، فهم من يعتمد عليهم حين تشب النار التي لا ترحم، ليأتون ويطوقون وينقذون. القصة تركز على مركز إطفاء بعد ثلاث سنوات من تلك الحادثة الشنعاء. قصة عن شخصية تومي الذي خاض حرائق لا تحصر، وفقد إخوةٌ له في الحادي عشر من سبتمبر، بما في ذلك ابن عمه والصديق المفضل له. مرت ثلاث سنوات وما زالت حياته في خراب و فوضى، يكافح للتغلب عليها ولكن يسأم في مجابهتها، يحاول أن يستعيد زوجته (جانيت) ولكن زواجه مدمر فزوجته منفصلة عنه، مشاكله لم توقف عند هذا الحد، فأشباح الموتى الذين لم ينجح بإنقاذهم تطارده وأهمهم هو ابن عمه وصديقه، ومع هذا ما زال يخاطر ويهوي بحياته للخطر للإنقاذ بجانب إخوته.

 

 

@FX
@FX

دراما قاتمة تعرض بشكل مكثف على موضوعات صعبة لا تصنع منها سخرية يتعدى بها الكتاب الخط الرفيع الذين يبنوه للتفريق بين الجدية والهزل بكوميديا سوداء تركز على الحياة اليومية لهؤلاء الأبطال للنظر لهم بنظرة آمنة ومعقمة لما يفعلوه وكأن النص يفلتر للمشاهد لننظر للحياة الحقيقية والضغوطات التي يجابهها أبطال الإطفاء بمهنتهم الوحشية الخطيرة. يتم كشف العواقب والأخذ بها على عدة أشكال ذهنية وبدنية بخطوط قصصية مختلفة مع العديد من الشخصيات، لينظر المشاهد للمخاطر التي يتم مواجهتها وكيف تؤثر على العمل وكيف العمل يؤثر على الحياة الشخصية وكيف يؤثر التوتر عليه عندما يتعرض له في العمل. الحياة مليئة بالأحداث الدرامية ويتم صنع هذا بداخل قالب متصل بأساس الحياة العملية للشخصيات ويبدو ذكي جدًا ومثري للشخصيات. يخفون صدماتهم العاطفية تحت غطاء من الهزل، والسخرية، والفكاهة، والحديث عن الجنس (الكثير منه)، والإنكار العميق عن الشعور بالألم والصدمة، وأهم عنصر في المسلسل ألا وهو الخمر (البووووبز) ونتيجة ما قلت هي كوميديا سوداء مدروسة ومبهرة تجعل المشاهد يتغذى على ما يراه ويشعر بكل المشاعر في مشهد واحد قد يبدأ بكوميديا لينتهي بتلك اللكمة، وصوت تلك القارورة تفتح، لينتهي بتنهد نشوة الخمر أو طعمه المر. قد لا تبدو كل خيوط القصص مهمة ولكنها ممتعة جدًا فعندما يكون هناك نص ثري بكوميديا مميزة وشخصية كمثل شخصية تومي عندها تجد نموذج للنص الثري الذي لن يجعلك تمل أبدًا فإن كان يبدو لك المسلسل مسلسل إطفاء عادي فتفكيرك يتجه لاتجاه خاطئ.

 

اِقرأ أيضًا: Too Old to Die Young الإيمان بالقتل

 

هو مسلسل يعتمد على نصه بجعل الشخصيات متوافقة مع بعض، وزج حوارات تصنع لك مشهد لا ينسى فعلى الأقل إن كنت غير مهتم بخط قصة (برغم أن أكثرها مثير) إلّا أنك ستخرج منها على مشاهد ممتعة جدًا ومكتوبة بطريقة ملتوية رائعة تحمل بها نصًا ممتازًا. لابد مني أن أتحدث عن تومي فهذه الشخصية حمقاء تمامًا وبغيضة ومليئة بالكره الذاتي، يخبئ تومي حزنه وذنبه خلف وهم أنه الرجل القوي ولكن رشفة من زجاجته هي من تجعل يومه يمر بسلام، دائمًا يكون غاضبًا من نفسه لعدم قدرته على إصلاح مشاكل وتقلبات حياته، فاسد أخلاقيًا، يرد بشكل مرن على المواقف العصبية لتراه يتجه للبيت وخلفه تلك الأشباح (طريقة إبداعية لرؤية مشاعر الشخصية وما يؤلمه بنفسه) قد لا يكون طاهرًا ولكنه الرجل الذي تريده أن يكون بجانبك عندما يكون المبنى مشتعل، لديه ذلك الإيمان القوي تجاه الأخرين، فهو يقوم بواجبه تجاههم مهما كان صعبًا فهو يعتبر حكيمهم هو الذي يستمع لمشاكلهم ويحلها فإبداعه لا يتوقف. شخصيته ليس لها وسط لتحكم عليها فهي شخصية مائلة لصفات كثيرة متناقضة فالأمر يعود على مزاج اليوم وعلى كم شرب من كأس وهذا مناسب لشخصية مثل شخصيته. تتواجد قصصه أكثر من الشخصيات الأخرى فقصصه تقع في لب المسلسل فهو يحارب حياته المتزعزعة ليخلق اضطرابات مختلفة، قد تعجبك بعضها فحماقته مثيرة للضحك تمامًا.

ظهور الأشباح لتومي تجعل من السرد نشط وتظهر بأوقات جيدة ويكون لها تأثير كبير على خط القصة، جيمي ابن عم تومي هو أكثر الأشباح ظهورًا وسبب هذا أنه بمثابة صوت ضمير تومي الخفي، ليظهر لنا غضب وشعور الشفقة على نفسه وعاطفته لأن شخصيته عادةً ما تكون مؤلمة وشاعرية. يتأرجح دائمًا في الأفق لانهيار أبدي، وعادةً يوصل به الحال لعدم قدرته للتعبير عن أفكاره ومشاعره فهو يكافحها وهذا جزء من شخصيته لعدم مقدرته وتخبطه في التواصل مع الأخرين. في بعض الأحيان تنبع المشاعر الجياشة من قلبه ويتمكن من الحديث ويجعل شخصيته القاسية الكتومة تبوح وتلين وهذا ما جعله يقدم أداءً متقنًا يفوق الوصف. يتعامل (أنقذني) مع مواضيع حساسة وتتمتع بحرية إبداعية بمحتوى لغوي وجنسي مناسب للعرض لأن (أنقذني) يعرض على شبكة كيبلية فقيود المحتوى كانت متساهلة فناسبت النص ولا أتوقع أن هناك تغيير بالنص فتم عرض رؤية الكاتب كما هي لقصة تومي.

 

 

 

@FX

قد أكون تكلمت عن تومي كثيرًا ولكن الشخصيات الأخرى ليست أقل منه فهناك القائد (رايلي) في منتصف عمره وما يزال يقامر فهو لديه مشاكل جمة بسبب ادمانه للمقامرة. الملازم (لو) ناجٍ آخر من أحداث 11 سبتمبر نراه يخرج ما بنفسه من ألم بامتهانه كتابة الشعر. (فرانكو العاشق) حبيب السيدات والخبير في كيف لك أن تظفر بموعد من أول محادثة. (غارتي الأهبل) هو الذي يزيد من حدة الهزل، قد يقال عنه غبي ولكنه يبقى يضحك الكل. (مايك-سيء الحظ البليد) صاحب المواقف المحرجة والغباء الذي يتشارك به مع غارتي. كل هذه الشخصيات سنكتشف أعماقها المعيبة ببطء لتتكون لنا تعقيدات للشخصيات يتم بها تطويرها بشكل مقبول ومختلف. ليس هناك بطوليات غريبة ومثيرة لأحد الشخصيات فالحرائق كانت واقعية وبعض الأوقات معقدة وخطيرة، ولم يقللوا من الأشخاص الذين يقومون بعملهم. التصوير كان يدوي بشكل غير مزعج. بعض الأوقات يتم تقسيم الشاشة لرؤية شخصيتان بنفس الوقت، وفي بعض الأوقات يتم عرض ترجمة بالأسفل لما تريد الشخصية أن تقوله بالحقيقة. ولا يمكنني أن أنسى أن كل حلقة تنتهي على أغنية مختارة بشكل ممتاز لنشعر باليأس الذي أحسسناه من الشخصيات.

 

اِقرأ أيضًا: مراجعة الموسم الثالث من مسلسل Stranger Things

 

النقطة السلبية التي أراها في (أنقذني) هو اجهاض حق الشخصيات النسائية. هنا النساء إما أنهم مثليات، أو أنهم غير متزنات، ويشعلن النار في المنازل، أو مدمنات كوكايين، وعاهرات. تم تهميش صورة المرأة هنا ولم يتم تصوير الواقع فكان الكاتب يكتب من وجهة نظر أحادية فمن المحبط أن المسلسل لم تتواجد فيه شخصية نسائية قوية جدًا فإن وجدت شخصية نسائية فالأكيد أنها ستكون فتاة صغيرة لتكون امرأة جيدة، فالشخصيات لا تفهم المرأة مطلقًا، ولكنهم مصابون بضعف عاطفي ومن لا يكون ضعيفًا أمام النساء حتى إن كن مجنونات. ستجدون شخصية نسائية مجنونة لدرجة أن صفة الجنون مجرد كلمة لطيفة لوصفها (شخصية لا تنسى بذلك الجنون).

 

نتطفل في  هذا المسلسل على الأشخاص الذين يعيشون مع الموت ويقومون بمواجهته كل يوم، فبعد ذلك اليوم (11 سبتمبر) هم فقط يريدون العودة للروتين المعتاد وأن يتم التوقف لمعاملتهم كأبطال في كل دقيقة، فمهما فعلوا لن يعرفوا معاناتهم فإن لم تكن معهم بعائلتهم فلا يمكنك أن تعرف كل الأسرار حول ما يكابدوه. رحلة لا تنسى من الشجاعة والخلاص، والتخبط الدراماتيكي القابل للاشتعال، وروح الدعابة بين طاقم عمل إطفائي يتمتع بروح صادقة. معركة يخاطر فيها الرجال بحياتهم يومًا بعد يوم. يتم دعوتهم لإنقاذ الأرواح، في حين أنهم هم من يحتاجون إلى إنقاذ.

 

 

 

@FX

يتم عرض أنقذني بشكل إنساني لشخصياته وانتصاراتهم البطولية ليدخل ويتجول بنفوسهم ونرى مدى سقوط ذواتهم. الحرائق عامل اساسي في المسلسل وسنرى تأثير العمل على شخصياته وكيف أنه يشكل بعض الشخصيات ويغيرها داخليًا وخارجيًا ومع التقدم تزداد المخاطرة متساوية مع التغير الذي طرأ على الشخصيات. يبان هذا في تلك المشاهد التي تكون على الطاولة أو في المنزل لنرى التحولات، فالعمل بدأ كمثل مسلسل إطفاء ولكن تطور مع بدايته ليهتم ببناء دراما وقصص لشخصياته ليخوض فيها ويقلل من عمل الإطفاء. مراحل تحويلية عاطفية جسدية معقدة وسط بيئة شديدة الخطورة تحتضن خطوط القصة ليزدهر أنقذني بقصته بدقة ليلبي احتياجاته الهيكلية والدرامية ويحافظ على أصالته.

 

اِقرأ أيضًا: مراجعة مسلسل Legion الموسم الثالث الحلقة الخامسة.

 

سلسلة طويلة من الحلقات التي ستلتهمها جميعًا بوقتٍ قصير، لما في القصة من طرافة ومواضيع مثيرة للجدل، وشخصيات ممتعة تنظر لها وهي مجتمعة في المركز تسليك وتمتعك بأحاديثهم المعتادة حول تلك الطاولة. الطاولة التي حدث عليها أشياء لا تنسى، ومشاهد مثيرة للضحك، قبل أن يُضغط على زر الاستدعاء لحريق قد يكون الأخير بالنسبة لحياتهم. قد يكون في بعض المواسم انخفاض بالمستوى وهذا أمر لا مفر منه، فتحمل مخاطرة مواسم كثيرة يعود دائمًا بمخاطر قد لا تؤتي الثمار ولا تحصد ما يتم جنيه فيصبح خرابًا. لا بأس هناك موسم خدع المتابعين بـ22 حلقة لم يكن أي شخص يتوقع منها أن تكون من أفضل حلقات (أنقذني) وأن (أنقذني) يرتفع رتمه بعد موسم رابع جيد وقولي جيد بسبب تدني مستواه عن المواسم الأخرى، لكن يبقى فضيلة الموسم الرابع أنه أكمل بناء الأساس الذي كان يبنى من أول موسم وكان صلد تجاه المحتوى الذي صنع لنا موسم خامس ممتاز.

قام بصنع المسلسل كلًا من: دينيس لاري (الذي يلعب دور شخصية تومي) و بيتر تولان. وعرض المسلسل من سنة 2004 إلى 2011 بمجموع 95 حلقة عرضت على شبكة FX. حاصل على تقييم 89% من موقع الطماطم الفاسدة، وحاصل على تقييم 8.4 على موقع IMDb.

 

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.