تلفازمراجعات

مراجعة الموسم الثاني من مسلسل Mindhunter

بقلم: نواف النميس

تنويه: المراجعة تحوي على حرق لأحداث السلسلة

اصعب المُعضلات هي المُعضلات الأخلاقية، تتأثر بكُل رأي بكُل فكرة عابِرة. المُعضلة الأخلاقية قد تكون ناجِمة عن نقص في الذات او فشل او لأهداف شخصية. فيُمارس الإنسان خطاياه لسد الفراغ بِداخله وإسكات الرغبة الجامِحة التي تجتاحه حتى تأخذ الكفّة. هل فعلًا بِداخل كُل إنسان شيطان يُمارس ملذّاته عن طريق اخذ الإنسان كوسيلة ام ان الخطيئة جُزء لا يتجزّأ من فِطرة الإنسان النفسية؟

المُسلسل طيلة الموسم الأول كان مُتمسّك بالقصّة بطابع يُناسب المواضيع النفسية التي نراها عند كُل مُقابلة، اختيار المُمثلين لتأدية أدوار المُجرمين كان أهم ميزة طيلة الموسمين ولكن هذا الموسم لاحظت أن الأمر لم يعُد مُجرّد اختيار مُتقن للطاقم بل أصبح أشبه بالاختصاص! وهذا عائد للأهتمام المجنون بأبسط تفصيل، مما نتج عن هذا الأهتمام ،الإتقان وخلق طابع مُرعب عند مُقابلة كُل مجرم. يتنفسون الشخصية وينفجرون بكُل ماعندهم في مشهد واحد والأبرز كان مؤدي شخصية تشارلز مانسون، ارعبني وانا من خلف الشاشات، حقًا إهتمام وإحترام لعقلية المُشاهد يُشكرون عليه. في هذا الموسم تحديدًا تم طرح من وجهة نظر مُجرم فكرة مُخيفة وانا اتحدث عن الحدث الأهم الذي كان الجميع على إنتظار للموسم من أجله (مُقابلة تشارلز مانسون) والمُثير للجدل أكثر تشارلي لم يقتل احد تشارلي ازال الخوف عن مُراهقين ليقتلون.

 

Mindhunter
© Netflix

 

تشارلي كان يُريد يفرض سيطرته بأي ثمن، حتى بالثمن الذي لا يستطيع تحقيقه. كانت عائلته تقتل إتّباعًا لِرغبتها ولكن لماذا يبدو الأمر وكأنهم يتلقّون أوامر كل ما فعلوه من مانسون؟ هل حقًا تشارلز طوال الوقت كانت افعاله رهن إنكار الضُعف الذي بِداخله؟ أعتقد ما بإمكانه الإجابة عن تساؤلاتي هي حركة تشارلز لحظة إنتهاء المُقابلة، حين طلب فورد بكُل لُطف ليحصُل على نظارته الشمسية، وذهب يتباهى أمام السُجناء بأنه سرق نظارة عميل FBI. كان مُستعدًا للدخول إلى السجن الإنفرادي فقط لكي يتباهى ويفرض قوته الوهمية التي كان يفتقدها والتي شكّلت دافعًا لبناء بما يُسمّى (عائلة) هدفها إجرامي ومُباشر على طبقات المُجتمع.يُمكننا القول ان حاجته الشخصية للسيطرة الشكلية وليست الفعلية هي من كانت الدافع الأساسي لكُل جرائمه التي تم تنفيذها من أشخاص كانوا يحتاجون امثال مانسون لتلطيف ملذّاتهم العنيفة بأنها كانت عائِدة لأوامر شخصًا ما، وإنكارهم بالراحة التي تُصاحب كُل جريمة قتل هو مايجعل بالهم سعيد، لِعلمهم بأنهم ليسوا فاسدين إنما صالِحين ضلّوا طريقهم عن طريق شخص، والحقيقة ان مانسون لم يفعل سِوى إطلاق رغبتهم الجامِحة بالقتل عن طريق تشجيع أخلاقي يُشبع رغبة الطرفين، مانسون و النقص الذاتي الذي يُعاني منه وعلى الكفّة الاُخرى بِضعة مُراهقين وجدوا وسيلة إرضاء ملذّاتهم العنيفة التي رُبما لم يكونوا مُدركين بوجودها بِداخلهم في المقام الاول. وتواجد الحاجة من ناحية الطرفين كما مانسون و عائلته كان تفسيرًا واضِحًا لجميع الجرائم الشنيعة التي حدثت آنذاك.

المسلسل الهدف من فكرته، طرح وجهتين نظر حول المُعضلة الأخلاقية للإنسان من وجهة نظر مُجرم و وجهة نظر إنسان طبيعي. وبرأيي اكثر نُقطة أخذت الحيّز الأكبر من الجدل، هل إرتكاب سلاسل جرائم مُتسلسلة كافية لسد النقص الذاتي الذي يُعاني منه المُجرم؟ الخطيئة يتبعها الندم وما وراء الندم سِوى إعادة الكرّة مرة تِلو الأُخرى.ماخلف الكاميرة كانوا يصنعون ويخلقون جو سائد يُطابق الطابع الذي يترُكه المسلسل للمُشاهد. زوايا تصوير ألوانها كانت تُحاكي الغموض طيلة قضيّة قاتل الأطفال، وكأن المُخرجين لديهم أدائهم التمثيلي الخاص بهم. على الرغم من الموسم الممتاز والحلقات المُتكاملة المُتعددة الا ان برأيي انه تم الغفل عن بعض النِقاط التي نجمت عن أخطاء كان بالإمكان تفاديها. اولها شخصية كارا كانت مُتواجدة للحشو وأحداثها لاتحمل في طيّاتها سِوى الشذوذ الجنسي المُقرف. لا اواجة مشكلة مع الأحداث التي تخلق طابع للشخصية ولا تُستخدم في اي موضع من القصّة ولكن مُشكلتي كيف ان تحشو خط أحداث مثل خط أحداث شخصية (كارا) وهي اصلًا شخصيتها غير مُستقرّة ولانعلم موقعها من الإعراب في توجّه القصّة؟ المُضحك ان شخصية تانيا عاملة الفُندق كانت مؤثرة على سير الاحداث اكثر من شخصية تُعتبر من الشخصيات الرئيسية. كان بالإمكان الإستفادة من شخصيتها بحدث مُلتوي في نهاية الموسم ولكن للأسف، لا أعلم هل هي سوء استخدام شخصية بموضعها، او ان الشخصية كانت بنفس السوء من الموسم الاول ولم يتضح لنا الا الموسم الثاني لكن ما اعلمه انها كانت أبرز سلبيات الموسم بِلا شك. ثانيًا إبتعادهم عن القصة بشكل طفيف وتركيزهم حول قضية قاتل اتلانتا وهذا ما جعلها إستثناء لمركز القصة الأساسي،

 

Mindhunter
© Netflix

القصة حول عميلان في ال FBI يجرون مُقابلات مع القتلة المُتسلسلين اصحاب الدوافع القهرية النفسية، لكن في هذا الموسم لم نرى الا مقابلات في اول حلقتين ومن ثم تم صب جهود المركز حول قضية قاتل أطفال اتلانتا، وهكذا تم التخلي عن القصة والإنسلاخ عنها لبضعة حلقات، ليست لدي مُشكلة انها جعلت الرتم يتصاعد والشخصيات تترابط برابط درامي متين، ولا اقول انه يجب التمسّك بالقصة وعدم تواجد إستثنائات وقصص جانيية لها ولكن ماحدث لم يكُن حدث جانبي بل كان محور الموسم لذا في النهاية تُعتبر سلبية. اخذتني مُلاحظة حول شخصية هولدن تحديدًا في هذا الموسم كانت جافّة عاطفيًا، الموسم الأول من ابرز خطوط الأحداث كانت هولدن وحبيبته المخبولة. ولكن هذا الموسم اصبح هولدن فلسفي بالكامل، غارق بأفكاره، مُستفز من حوله بأُسلوبه الفذ، وبإعتقادي خُروجة من بيئة مشاعره الرومانسية كانت أهم عامل جعلني أرى شخصيًا هولدن يتطور بهذا الجانب من شخصيته، وبرأيي هولدن نُسخة الموسم الثاني أفضل بكثير بحيث تم توسيع مداركه و آفاقه مما جعله يغوص في الأبعاد النفسية ويدرس النفس البشرية بشتّى اشكالها بشكل أعمق. التجانس الذي نراه في الموسم الاول بين بيل وهولدن كان عائِد لمُشاركتهم بالخط الزمني ذاته. هذا الموسم لم نرى ثُنائيتهم مثل السابق بسبب بلوغ شخصية (بيل) الذروة، التغيير الجذري الذي حدث مع حدث (تبنّي لبراين) الطفل براين خلق رابط تراجيدي بين بيل ونانسي، منذ بداية الموسم كانت التساؤلات والمخاوف لاتتوقف من قِبل الوالدين عن الولد. وفي الحلقة الخامسة كانت النقلة النوعية لبيل ونانسي، لن اتفصّل بالاحداث ولكن شدّت إهتمامي نانسي حينما قالت “شعرت بالراحة، لان براين لم يخرُج من بطني، لست المسؤولة، هذا ليس خطئي” إشارة الى العُقد النفسية التي كانت ناتِجة عن البيئة المُتزعزة التي كان يُعاني منها براين قبل ان يتنبنّاه بيل ونانسي.

للمسلسل طاقم تمثيلي أثبت جودته العالية بإمكانياته في مشاهد عديدة. نص كان يخلق طابع غُموض نفسي مُرعب ليخوض بخفايا النفس البشرية بكُل جرأة. قصة مُميزة وإستثنائية يقودها شخصيات مُثيرة للإهتمام وعظيمة بما تحمله بطيّاته خلف كل حوار داخل القُضبان. موسم ممتاز تخللته بضع العيوب والنقائص إلا انه بأداء مُتكامل من الطاقم التمثيلي أجمع ومن خلف الكاميرة ومن يحيك القصّة استطاع الوصول لتوقّعاتنا وكان إمتداد عن موسم رائع آخر.

 

بقلم: نواف النميس

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.