تلفازمراجعات

مسلسل Wednesday مابين القتامة والمراهقة والتحقيق.

تغرق السماء بسواد حلتها، ويقصف الماضي ذاتها.

 

 

بعد صدوره على منصة نتفلكس أصبح ثاني أكثر مسلسل يحصد ساعات مشاهدة في الأسبوع الأول ب 300 مليون ساعة مشاهدة وهذا يدل على شعبية جارفة خلف الشخصية من السابق وأن المسلسل سيغدق على معجبي المسلسل بفنياته وظلمته القوطية. كيف لي أن أحكم وأنا لا أعرف الشخصية من السابق كشخص عربي لم يكبر على قصص قبل النوم التي تتضمن هذه الشخصية من جل الشخصيات التي ترعب الطفل لينام سريعًا وأن يطيع والدته.

 

سلوك الشخصية والهوية هما ما جعلاني أتابع المسلسل لأن بالعادة يجذبني العمل القاتم الذي يقوم أساسة على ثقافة مليئة بالغرابة والخيال المظلم الذي يتربص بكل جوانب العرض الفنية من تصوير وإخراج وموسيقى وسلوكيات متنوعة تجذب المتابع ليغوص في هذه الفنيات. الهوية هي الشيء الوحيد الذي جذبني ببداية العرض فالهوية تتشكل عبر تفاعل الشخصية مع محيطها الذي يحدث به عدة أحداث تقع داخل إطار بيئي معين يشكل الهوية بواسطة توليد ردات الفعل المختلفة بتضخيم وتهميش وهنا يُصنع الإدراك من خلال ما يحدث حولهم. الرسم الخارجي للشخصية الرئيسية كان أهم إطارًا جذبني للعرض فالوصف الجسماني بالتحركات والنظرات الخاطفة ذات اليمين وذات الشمال، والحالة الشخصية الدامية، وعمر الشخصية الذي يصنع من الأمر إثارة عالية بدخول شخصية صغيرة بحالة قوطية مظلمة فحتى البسمة لا نراها إلا بمواقف تهدف لنشر الإجرام والدماء والتشاؤم، هذا ما جعل الشخصية مثيرة للاهتمام، وهذا ما صنع بعدًا اجتماعيًا للشخصية وعمل تأثيرًا كبيرًا على رسم معالم الشخصيات في البناء السردي الذي يدمج نماذج مختلفة من البعد الاجتماعي واختلاف الهوية وتشكلاتها.

إقرأ أيضًا: مسلسلات شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2022

بعد كل ماقيل في أهمية الهوية ورسمها بهذا العمل وكيف أنهم نجحوا بخلق هذه الشخصية المظلمة إلا أنهم فشلوا في الاستمرار بجعل هذه الشخصية على نسق واحد وتضعضع أساس الشخصية وتحول من عرض مثير للاهتمام لعرض يحمل سمات عروض المراهقين المكررة عن فتاة معزولة اجتماعيًا. كنت أريد أن يكملوا بجعلها شخصية غريبة لا تتآلف مع الأشخاص فهذا ما صنع منها شخصية مثيرة وليس بزوغ بعض المشاعر التي أحاطت بها مدة إقامتها في المدرسة. لم يتم وضع حدود نفسية بمفهوم الشخصية وهذا ما صنع تداخل حوّل الشخصية من الظلمة التي كانت تقبع بها إلى زهاء الألوان، وهذا يشي بأن الفكرة من العرض هو كمثل أكثر عروض المراهقين ليس هناك عمقًا كافيًا لصنع شخصية مظلمة تستمر على حالتها ولا تتأثر بتلك المشاعر السخيفة وهذا ما بدأت عليه شخصيتنا وهذا ما جعلني مهتمًا.

 

الاستماتة الكبيرة التي استمرت من العرض لجعلنا مهتمين بقصتين مختلفتين وتلك الفتاة التي أصبحت محققة هي استماتة كبيرة جدًا أخلت بسلوك الشخصية الغير مهتمة المظلمة فعندما تصنع لي شخصية لا تهتم وتجعلها تحقق بأكثر من جريمة قتل وتعمل هذا بشكل مستميت لتقبض على القاتل فأنت هنا تمنحها مشاعر واقعية تُأمِّن بذاتها جانبًا يتأثر بأحداث واقعية وشعور شفقة ومبالاة. بعد بحث قليل عن الشخصية القديمة رأيت أنها لا تهتم باردة وأنها مظلمة بحق، هناك مشاهد كثيرة تقوم فيها بالتجربة على قتل أخيها، وهذا ما كان مهمًا لفرضه على الكتابة لدلالته الجميلة بمدى ظلمة الشخصية، ولكن كل ما رأيناه بهذا العرض مجرد شخصية منزوع منها روح سلوك الشخصية الحقيقي وارتباطه بمشاعر ليس بها أمانة.

 

العرض يحمل موسيقى ممتازة جدًا تلقي بتشاؤمها على ظلال النفس لتستقبلها رمادية الأفكار وتعامل الصمت كسلبية في العرض لا تريد أن تقف الأوتار من الاهتزاز تريد أن يصنع الاهتزاز هاجسًا يلاحق الشخصيات بألحان تملأ القلاع نحيبًا وترسم الذاكرة دروبًا تمطر عليها السحب دمًا، لينتاب القلب عنفوان الخوف، ويستهل الترنم صانعًا يأسًا يلبد على السمع. هذا يجعلني متشوقا لأرى الشخصية بحقيقتها المظلمة التشاؤمية بأي فرصة قادمة.

 

الجو العام شيء أحببته جدًا جاذبية كبيرة لطبيعة المكان القوطية بتلك القلعة التي تظن أنها مسكن أحد المشعوذات والظلمة المحيطة بالمكان والرمادية التي تنسجم مع ظلام المواقف وكأن هناك صراعًا مريرًا مع الظلمة والمرض هنا تشعر بذلك الشحب والمنظور الداخلي الذي يستفيض بالظلمة هنا بمجرد صورة ترى أن السلوك خارق وأن البشر اعتياديون. عتبي الوحيد أن هناك مشاهد الألوان فيها أزعجتني كنت أريد الظلمة والرمادية بكل وقت بما أن القصة والعالم مظلم. تصوير الوحش كان عظيمًا كرسم ولكن مع المؤثرات قلت تلك الحدة التي اقتبسها الرسم الأحادي. النافذة العنكبوتية أرست منذ البداية فكرة هاجسية تعامل الرهبة بلطافة لدى هذه الشخصية، تشكلات هذه اللوحة طغت على المكان وأسست برصانة بناء فكري بصورة معينة سلبت عنفوان الألوان. ما أكمل هذه الصور هي الهندسة المعمارية الجميلة التي رأيناها والتي أتفقت مع الثقافة القوطية التي تمثل الشخصية الرئيسية أو عائلة آدمز ككل.

 

تصوير الشخصية على أنها مراهقة صعبة المراس تحرج جدًا فمشاهدها من والدتها كانت باردة قاسية عظيمة ولكن بعد هذا المشهد تجدها قلقة من شجار حدث أو سؤال شخصي عن تقبيل ذلك الفتى، هذا ما صنع فضاء ما بين الشخصية الأصلية والشخصية المصبوغة بتجارب المراهقين الشائعة. هذا صنع مفارقة كبيرة للمشكلة الأساسية التي تتواجد لدي وبإمكان أي أحد رصدها. الموازنة بين الوحدة والمواقف الكثيرة ذات ردة فعل باردة تجاه الشخصيات تُكسَر حين نراها تعتذر وتتنازل ولهذا قلت آنفًا إنه “لم يتم وضع حدود نفسية” وهذه الحدود سلوكية أيضًا فالكسر الذي يحدث هنا يعبر عن فوضى سلوكية شديدة لا تنسجم مع الطبيعة النفسية والسلوكية للشخصية. هناك حلول وممارسات مقبولة لتفعلها الشخصية وبإمكاني تقبلها إن كان لها مصوغ ووضع الكاتب خطًا واضحًا للتمييز بين أفعالها ولكن كل ما نراه هو نسج سلوكي واحد يناقضه أفعالها.

 

أهم شيء كان بالعرض هو عائلة آدمز فالعائلة تكون المحرك الأساسي للسرد والمحفز لكل الفروع السردية المهمة وهم الشريف والمديرة وابنتهم فوجودهم عادةً ما يكون مهمًا. أما ذلك المجتمع السري لا أعلم ما أهميته حتى من هم مشتركون به لا يعرفون ما أهميته وكأن وجوده لمجرد أن هناك مجتمعًا سريًا تعتقد بأنه مظلم -لأنه سري- له حركة معينة وله لبس معين وكأنهم مشعوذات.

 

القصة برأيي كانت معتادة جدًا فكم مرة رأينا كمثل هذه القصة فتاة تتعامل مع قدراتها النفسية وتحقق بجريمة وتكتشف أنها هي المفتاح وأنها الوحيدة القادرة على تدمير من سيبعث ورئيس الشرطة الذي يحقق بأشياء خارقة للطبيعة والإجابة لديه ولكنه لا يريد التصديق والكثير من الكليشيهات المتواجدة في كل ركن هنا، وأيضًا نسيت ذلك اللغز الذي تورط فيه والداها. هل حقًا كنا بمدرسة أو عرفنا كيف هو النظام هنا نراهم مرة يدرسون النباتات ومرة نجدهم يتصارعون ومرة هناك مسابقة للقوارب، وتجدهم يرتعون في كل محيط المدرسة بكل ساعة وتجدهم في البلدة، وكأن السيناريو هنا اعمل أي شيء يفيد القصة واترك كل أساس فارغ، لا يهم. الشيء الوحيد المشروح أن المدرسة لمن لديه قوى خارقة “المنبوذين” هذا الشيء الوحيد المشروح وأيضًا هناك مدرس واحد فقط، يا سعادتهم -إن كان المدرس مهضوم-.

 

في النهاية مسلسل Wednesday ليس عميقًا ولا يلمس المواضيع بشكل يهم المتابع بل يجعل من شخصياته منبرًا لطرح مواضيع مختلفة لا تكون مثيرة غالبًا ولكن قد يكون العرض مسليًا بحلقاته الخمس الأولى إلى أن تكتشف الحبكة وتشاهد ما تبقى بعدم اهتمام. قدم العرض بناءً فِكريًا لشخصية قاتمة سلبت كل الاهتمام حتى اضطرت للتلون والابتعاد عن الظلمة والتعاطي مع مواقف الحياة التي شكلت التعاطف وغيرت التزامها النفسي وواجهت الضعف ولم تتماش مع فكرها المتين التي نشأت به في قتامة. أنهي كلامي باقتباس د. علي عبدالفتاح من كتاب تقنيات بناء الشخصية “الشخصية الانطوائية لا تستطيع أن تتحول بين عشيةٍ وضحاها إلى شخصيةٍ مرحةٍ تختلط بالناس وتلقي النكت أينما ذهبت”

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.