أفلاممراجعات

فيلم Escape From Pretoria: كيف تهرب من السجن مُستخدما مفاتيح خشبيّة فقط؟

عن القصة الحقيقية لِتيم جينكن، ناشطٌ في المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا، وهروبه من السجن رُفقة صديقيه باستخدام مفاتيح خشبية صنعها بنفسه

أتذكر المرة الأولى التي شاهدت فيها فيلم Escape from Pretoria، كانت تلك أول مرة أشاهد فيها فيلما من هذه النوعية، بالطبع قرأت قبلها عن قصص مجنونة لأشخاص حققوا المستحيل وفرّوا من سجون كانت تعتبر محطة الهاربين الأخيرة، مثل فرانك موريس وهروبه من سجن ألكاتراز مُستخدما أدوات بسيطة مثل ملعقة أكل، أو الياباني يوشي شيراتوري الذي فرّ باستخدام حساءٍ فقط.

كلها قصص تعلق في عقل القارئ، لكني متأكد أنك لم تسمع بهذه القصة من قبل، غرابتها ليست في عملية الهروب نفسها وحسب، بل في عقلية وطريقة تفكير مُدبّرها.

Escape from Pretoria هو فيلم من إنتاج المملكة المتحدة وأستراليا بالتشارك، صُدر في مارس 2020، في وقت كان فيه شباك التذاكر العالمي يواجه مرحلة حاسمة في ظل أزمة كورونا.

الفيلم من إخراج “فرانسيس أنان”، ومن كتابة المخرج نفسه و”إل أيتش آدامز” وبطل القصة الحقيقي “تيم جينكن”.

بطولة: الممثل “دانيال رادكليف” في دور “تيم جينكن” والممثل الأسترالي “دانيال ويبر” في دور “ستيفن لي”.

القصة (من دون حرق)

يحكي الفيلم عن قصة الناشطان أبيضا البشرة “تيم جينكن” وصديقه “ستيفن لي”، في ظل نظام الفصل العنصري الأبارتيد في جنوب إفريقيا، أين اضطهد الأبيض السكان الأصليين السود بأقسى الأساليب وأبشعها.

يؤمن كِلا الصديقين بقضية المساواة بين الأبيض والأسود ويقرران تكريس أنفسهما في خدمة هذه القضية النبيلة، حيث ينضمّان مباشرة بعد تخرّجهما عام 1973 للمؤتمر الوطني الإفريقي (حزب سياسي تأسس عام 1912 لحماية حقوق السود المضطهدين في جنوب إفريقيا)

يُفتتح الفيلم ببعض المشاهد الحقيقية من أيام نظام الفصل العنصري، ثم ينقلنا إلى بطل القصة “تيم جينكن” وهو يشرح للمُشاهد لِما وكيف يخدم قضيته الراسخة.

”ما قررنا فعله كان أكثر الأشياء راديكاليةً، ومن دون أي شكّ أكثرها تفجيرا“

تيم جينكن

معلومة على الجانب: الرديكالية هي اتّجاه سياسيّ يُطالب بالإصلاح الجذريّ التامّ في إطار المجتمع القائم، ويقوم على إطلاق الحريّة في الاقتصاد وعلى التفكير العقلانيّ غير المتسرِّع قبل اتِّخاذ الخطوات المؤدِّية للإصلاح -معجم المعاني

فيلم Escape from Pretoria
تيم جينكن وستيفن لي (من اليسار إلى اليمين) – الصورة من موقع IMDb

تتمثل مهمة الصديقين في صناعة منشورات مُتفجّرة ونشرها وسط الجموع، لأنها كانت الطريقة الوحيدة لإسماع صوتهم وكسب المزيد من المُناضلين في صفوفهم.

يُقبض عليهما سنة 1978 ويتم الحكم على “تيم” بـ 12 سنة سجنا و8 سنوات أخرى لـ”ستيفن”، ينتهي الأمر بهما في سجن بريتوريا، أين يقرران التخطيط لعملية الهروب منذ اليوم الأول مع سجين ثالث آخر يُدعى “ليونارد فونتين”.

فيلم Escape from Pretoria
الصورة من موقع Time Out

يُعرّفهما سجين آخر يُدعى “دينيس غولدبرغ” -كان بدوره عضوا في المؤتمر الوطني الإفريقي -سُجن أيام اعتقال “نيلسون مانديلا” عام 1964- عن أحوال السجن كما يُزوّدهما ببعض المعلومات المهمّة التي قد تنفعهما في عملية الهروب، رغم مناهضته للفكرة كُلها وصِدامه الحاد مع “ليونارد”.

قضى “تيم جينكن” 23 يوما محاولا التفكير في منفذ للهروب، لكنه أدرك أن الحفر أو كسر القضبان مستحيل وأن المنفذ الوحيد هو قفل باب زنزانته الذي حدّق فيه كل ليلة طوال تلك المدّة، وأنه ما من حل سوى صُنع مفاتيح خشبيّة. رغم كون الفكرة مجنونة بعض الشيء أو شبه مستحيلة إلا أنه آمن بها ووضعها صوب عينيه طوال الأسابيع القادمة.

يصنع “تيم” أول مفتاح خشبي وينجح في فتح باب زنزانته بعدما قضى 51 يوما في محاولة منه لحفظ الشكل المُعقد للمفتاح، فقط بالتحديق فيه لثوانٍ متى سنحت له الفرصة.

 لماذا عليك مشاهدة فيلم Escape from Pretoria؟

خلفية تاريخية عن نظام الفصل العنصري والمؤتمر الوطني الإفريقي

يطرح الفيلم على المُشاهد قضية نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ومعاناة السود من اضطهاد البيض تحت هذا النظام، كما يعطي بعض المعلومات التاريخية عن المؤتمر الوطني الإفريقي والمقاومة الوطنية للسود ومساندة بعض البيض لهم من أمثال “تيم” وصديقه “ستيفن”.

ليس كل من هو أبيض عنصري بالضرورة 

“تيم جينكن” و”ستيفن لي”، مواطنان ببشرة بيضاء وُلدا ونشآ في جنوب إفريقيا، فبالرغم من المحيط العنصري الذي ترعرعا فيه، أين كان الأبيض مرادفا للظلم والاستبداد، إلا أنهما كانا من أبرز ناشطي المؤتمر الوطني الإفريقي، ومن أبرز المُناضلين الدّاعين لإلغاء نظام الأبارتيد. لدرجة أن تيم كان يُلقب في السجن بـ“مانديلا الأبيض”

”أنت مانديلا الأبيض، أنت الأكثر تضليلا بينهم“

آمر السجن

أكثر عمليات الهروب من السجن جنونًا

ما جعل عملية الهروب هذه جنونية هو بساطة فكرتها وصعوبة تطبيقها في الوقت ذاته، بالرغم من عدم وجود أي متفجرات أو أجهزة عالية التقنية مثلا، إلا أن فكرة الهروب عن طريق مفاتيح خشبية تستدعي التمهّل والتفكير.

تمكن “تيم جينكن” من صنع 39 مفتاحا لـ 15 بابا مختلفا حول السجن كله، كل ذلك عن طريق التحديق في الشكل المعقد للمفاتيح وفي غضون 404 يوما فقط.

فيلم Escape from Pretoria
تيم جينكن حاملاً أول مفتاح صنعه – الصورة من موقع BBC

تجربة واقعية

إضافة إلى القصة الواقعية التي بُني عليها الفيلم، فإنه يأخذ المُشاهد في رحلة مليئة بالتوتر جنبا إلى جنب مع أبطال القصة في تجربة فريدة، فيحبس أنفاسه كلما وُضع تيم وصديقيه في مواقف صعبة.

فيلم Escape from Pretoria
تيم جينكن يحاول نزع طرف المفتاح المكسور من القفل أثناء اقتراب الحارس – الصورة من موقع The Curb

اقتباسات ذاتُ معانٍ عميقة

يعتبر الحوار أحد الأوراق الرابحة في هذا الفيلم، ما يكفي لجعل أحدهم يُعيد مشاهدة الفيلم مرة ثانية عسى أن يقتبس بعض المعاني العميقة هنا وهناك، بعض الأمثلة لذلك:

”تشبّت بذلك الغضب، فإنه يُذكرك أن هنالك عالمٌ خارج هذا المكان“

-دينيس غولدبرغ


”الحرية فكرة بسيطة للغاية، لهذا هي سهلة الضياع ربما“

-تيم جينكن

إقرأ أيضًا: فيلم 12 Angry Men: رحلة داخل غرفة المحلفين الحماسية

تحليل الشخصيات

تيم جينكن

ناشط في المؤتمر الوطني الإفريقي ومُناضل، قليل الكلام لكنه قوي الملاحظة، يقِظ ومنتبه. قضى معظم أيامه الأولى في السجن في التفكير وجمع المعلومات مُنعزلا عن الباقين ما عدا البعض مثل صديقيه ودينيس غولدبرغ. طريقة تفكيره غريبة بعض الشيء، فقد أراد الهروب بطريقة نظيفة من دون إصدار أي أصوات أو ترك أي آثار لدرجة قد تصل لإلغاء عملية الهروب كاملةً إذا ما حدث خطأ بسيط واحد فقط.

”جرّبت مائة فكرةٍ في رأسي، ثم جرّبت مائة فكرةٍ أخرى“

-تيم جينكن

ستيفن لي

ناشط في المؤتمر الوطني الإفريقي إلى جانب صديقه تيم، مُساند ومشجّع، ساهم في فكرة جنونية -كادت تودي بهم إلى مضاعفة عقوبة سجنهم- حتى تيم الذي قضى أسابيع في التفكير لم تخطر على باله هكذا فكرة.

”اعتقدت أن هنالك بدايةً لكل شيء“

-ستيفن لي داعما صديقه تيم، بعد أن استنفر ليونارد فكرة صنع المفاتيح

ليونارد فونتين

مسجون منذ مدة طويلة، ما جعله متحمسا لفكرة الهروب منذ البداية، بالرغم من استنفاره لفكرة صنع المفاتيح الخشبية. لديه صِدام حاد مع دينيس غولدبرغ بسبب رفضه لفكرة الهروب. كان لديه بعض المشاحنات الخفيفة مع تيم بسبب طريقة تفكيره.

أقصى طموحاته، الهروب من السجن والعودة إلى ابنه.

الصورة من موقع IMDb

”لا مزيد من الصبر، علينا القتال“

-ليونارد فونتين

دينيس غولدبرغ

مسجون منذ العام 1964، يعتبر فكرة الهروب جُبنا وخيانةً للقضية التي سُجنوا من أجلها، ومع هذا فإنه ساعد تيم وصديقيه بالكثير في عملية الهروب، مثل تزويدهم ببعض المعلومات المهمة، وبعض الأدوات البسيطة.

فيلم Escape from Pretoria
الصورة من موقع Muggle Net

”هذا هو الثمن الذي علينا دفعه جميعا، بدل الفِرار“

دينيس غولدبرغ

بالنسبة لي فإن فيلم Escape from Pretoria تحفة سينمائية، يُجاور أعظم أفلام الهروب من السجن، فإضافة لعملية الهروب الغريبة والفريدة، كل أحداثه مبنية على قصة حقيقية، ما يجعلك تتساءل: كيف لمثل هكذا أمور أن تحدث على أرض الواقع؟

بالرغم من هذا، إلا أن الفيلم لم يحظى بالجلبة الإعلامية الكافية سواءً على مستوى الهيئات الرسمية أو المنصات الإجتماعية، فقد قُيّم بـ 6.8 نجمة فقط على موقع IMDb كما ترشّح لجائزتين على مستوى أستراليا إلا أنه لم يفز بأي منهما.

لكن هذا لا يمنع من مشاهدة 106 دقائق من التشويق، في واحدة من أكثر عمليات الهروب من السجن جنونا.

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.