تلفازمراجعات

مراجعة مسلسل Better Call Saul الموسم السادس الحلقة الثالثة عشرة والأخيرة.

جيمس ميغيل

 

 

 

صخورٌ منتصبة، لن تحلق عاليًا لتُلامس السماء الزرقاء، عربةٌ صفراء دُحرجت لتخنق الخندق، قرطاسٌ فضي عالق بصبار تخترقه الأشواك والنسيم يعصف بالأطراف، نقودٌ تاهت فصلبها الصبار، والشمس الملتهبة الصفراء عاليًا تنطق بحكمها على الآثمين. هكذا بدأنا نهاية قصة سول، صمتٌ يحضن مسامعنا كما كانت حياته صامتة، باردة في مستقبله.

 

حالة سول الطبيعية العادية السوية هي الخداع وأنه لا يتبع الضمير وكل ما فعله سابقًا يجعلنا نعلم بأن سول لا ضمير له إلا عند خسارته للمال، لا يشعر بالخزي ولا العار يغلو في أموره غلوًا كبيرًا تشعره باللذة والمتعة التي تلح عليه بتكرار الأمر، فالعذاب المضني الذي يعيشه ويجعل من أحشائه تتمزق هو قول الصدق، وعدم الخداع. رأينا في الحقلة السابقة بأن سول يدرك تمام الإدراك بأن إسرافه الواضح بأمور الخداع تجلب لذة قد فقدها سابقًا، كانت تنير مستقبله حتى أسقطته في شر أعماله، هو يعلم يقينًا بأن ما يفعله أمرًا كريهًا، ولكن هو لا يمكن أن يغير ذاته، فهو قد فقد كل مسببات تغيير نفسه. مع الأحداث ومرور المواسم كان تساؤلنا هل سنرَ بيوم من الأيام سول يبني ضميرًا ليرتاح من كذبه وخداعه؟ هل سيشعر بالندم على كل ما فعلت يداه، على كل خداع؟ ونعم، رأيناه.

 

بدأ سول كقصة طموحة تريد أن تواصل نجاح العالم الذي صنعه غليغان فالشخصية أسست لها قاعدة جماهيرية في قصة والتر وايت ولكن ما بدأ بطموح أصبح أكبر وأكثر ثقة في أنها ستجلب بنفسها قصة مختلفة تدار من قبل محامي مخادع لينفرد سول بقصته الشاملة، ليترك أثرًا يسهم في تشكيل قراءات سردية مختلفة عن السابق وبمستوى متميز من الإبداع وبرؤية ناضجة وبطبيعة كاشفة لمفهوم مركّز عن شخصيات العرض لتتجانس فيها الكتابة مع الكوادر لتقدم مرحلة تأسيسية جاذبة تملك الوعي لهوية المسلسل. حظى المسلسل من بدايته على عمل تشكيل بناء خارجي للشخصيات وقام بإضفاء ورسم معالمها داخل قصة مليئة بالإثارة وصنع عامل جذب يقوّم من شأن البناء الفني والقصصي للشخصيات، ولم نرى عدم اهتمام واكتراث بالبناء ليسهم في ضعف الحبكة ودخول القصة بملل ليتلاشى عنصر الجذب والتشويق، بل رأينا حضور قوي وتشكيل فني لتبدو الشخصيات حيوية لتقوم بممارسة الدور المنوط بها، وكل هذا حدث وسط ملاءمة فنية تتوافق فيها البنية السردية لطبائع الشخصيات.

 

محصلة الموسم الأخير بقصة سول هي أن نعلم أن سمة هذه الشخصية في كونه شخصية “متباينة” تريد أن تجد الحلول بسرعة وببساطة ليكون محاميًا ذكيًا يعتمد عليه الجميع ولكنه ينسى أن العواقب تنهال على الآخرين بأفعاله. فحالة التباين هذه نسجت لنا موسم عكس لنا واقع سول ورسم لنا لوحة تعايشية لها سماتها الخاصة بالتعمق بمستقبل سول  المصحوب بالوحدة والخوف كسلوكيات يتتبعها وهذا شيء ملائم ليكون هناك ملاءمة لوضع الشخصية النفسي فلكل مرحلة مزاجها المختلف، ونشاطها المتفرد، والانحراف الوحيد الذي رأيناه وكسر هذه الملاءمة هو انحراف استثنائي منح الشخصية بعدًا آخرًا، ووضع له خصوصية وكلنا نعرف هذا الكسر وهو اعترافه وندمه على كل ما فات.

 

القيم هي ماتحدد نزاهة الشخص فإحساس الشخصية لموقعها يبني تشكلات تأمن مسارها، فوعي الشخصية وتحديد منطقة لتحصر نفسها بها كمثال شخصية تفعل الخير هذا يُلزّم من أمور مسلمة تنطبق عليها، ولهذا نحن نحب شخصيات الأبطال لأن لديهم ضمير وقيم عكس الشخصيات المتمردة التي تتصادم مع المجتمع ولديها طموح بالخروج عن تشكلات مسارها آمن لتدخل بمتاهات يصنعون لهم بها أخلاقيات مختلفة، فالأشرار لطالما تجردت منهم الضمائر والقيم. وهنا في سول لا يهم الضمير والقيم فلابد من مواجهة ما فعلته وضرورة البحث عن الإنابة ممن أذيته، فتحمل المسؤولية يقع على العاتق.

 

يقبض عليه بين الأوساخ، فهذه نهاية الحقيرين، في حين أنه في مشهد الباص يتم تخليد اسمه. بين أفراد الشرطة نجده في موقعه الحقيقي “الأوساخ” وحين الباص يخلد كاسم حارب معهم فقد الغالي لأجلهم فهو سول قوودمان من لا يعرفه محامي المجرمين.

 

آلة الزمن، “ماذا ستفعل لو كان لديك آلة زمن؟” “سأعود لبداية سول وأشاهده من جديد.” لا جدوى من التفكير المضني في هذا السؤال فلا نفع إلا أنه يفاقم الألم الذي يريد سول أن يبقيه مخفي، فلا النسيان نفعه، فماضيه يصارعه حين السؤال فخادع والتر بقصة ركبة سقطت. في حين أن الليل مديد، والتر سقط على السرير لينضح بما ملأ صدره، ذلك الاختراع كان نجاته من هذا العالم. ومايك يريد أن يعود لأول رشوة فهي من فتحت له هذا الباب إلى أن خسر ابنه، كل شخص لديه شيء نادمٌ على فعله، إلا سول يريد أن يعود ليكسب المال، فقط المال مهم. المال كالسراج لدى سول، وسول حشرة تطوف حول السراج ولا نسمع منها إلا الطنين. في النهاية يعود سول بالزمن ليكون جيمي من جديد فآلة الزمن حقيقية.

 

ثرثرات لا تفسر شيء عدى أنه يبحث عن الخداع فهو يواسي نفسه المنحطة فقد أدرك أن تلك القوانين لا تنطبق عليه، بل أن هناك مخرجًا قد يحتويه، هجر مرآته التي يتهندم بها وينظر لوجهه منها، وهنا في وحدته برغم أنه محاط بمن قبضوا عليه إلا أنه سيأخذنا إلى القمة، هناك سيقف، سيفارق الخطيئة، فهو المسؤول عن كل شيء فوالتر لم يبني إمبراطورية بل سول من أسسها وأحاط أسوارها.

 

“أنا جيمس ميغيل” هنا في هذه المحاكمة للإقرار بالذنب، سول يصبح شفافًا، نرى جيمي في معترك مع سول ليغلب الأمر ليتلألأ، ليترك الفراغ الكبير الذي كان يمتلكه سول ليتضرع، ليعترف إزاء كل شيء، فالسبع سنوات ونصف ليست كافية لضميره المتأنب، تقشر سول وخرج جيمي وعانق ضميره وانفرد بندمه، تذكر تشاك وما قاله “ينتهي بنا الحال دائمًا إلى تبادل الحديث نفسه، أليس كذلك؟” فلم يؤول الحديث ليكون نفسه بل تغير وكان حديثًا صادقًا، تحمل مسؤولية أفعاله، كان بإمكانه أخذ الإتفاق بدل أن يسجن 87 سنة، لهذا هو تغير حقيقةً وأصبحت ذاته صادقة، لم يعد ذلك المخادع.

 

سياج يفصل بينهما، يسافران معًا جنبًا لجنب، والمسافات تتوهج لتبزغ هناك نجمتان إحداها حبيسة المكان، والأخرى حرة طليقة لتنفجر حزنًا ولا يبقى إلا مكانها لتنير أبد الدهر بجانبه. هناك ينظر لها ويطلق عليها طلقة الويسترن فتشتعل عينها ودًا وفراقًا، أبدًا هو لن يعود إلى البيت، فهو غارقٌ بشبكة صيد حاكها شرطي، ورماها عليه ضميره، لتتصاعد الأصوات، وتمسح الوجوه نفسها، وترحل للشارع، ويبقى خلف الأبراج، وتنتهي قصته.

 

  • أخلاق سول شيء مهم جدًا وكان شيء ظاهر على سطح شخصيته من البداية، ولهذا غيّر من منهجية أخلاقة في النهاية ولم يتبع سول بل تبع شخصيته الحقيقية قبل أن يصبح سول عديم كل شيء إلا المال طبعًا.
  • بدأ رحلته بتفكير سلبي ليثبت أن الآخرين مخطئين، فأدرك ببسالة أنهم محقين بشأنه.
  • مشهد التدخين، أصبح مشهد “أيقوني” يكفي الحديث هنا.
  • قَبِل عواقب ما فعل، لم يرضخ لأحد، بل أنهى كل شيء بنفسه.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.