الفيلم من إخراج وكتابة جيم جارموش مبدع العديد من الروائع السينمائية مثل Mystery Train وDead Man. هذه المرة يأخذنا جارموش في فيلمه الشاعري الهادئ الذي لا يتجه إلى سرد قصة وأحداث بقدر ما يروي من خلال تفاصيل الصورة وشاعرية البساطة لينحت فيلمه على شكل قصيدة عن الحياة اليومية فلا شيء يحدث فعلياً في الفيلم، سائق حافلة تسير حياته وأيامه في إيقاع بطيء ومتشابه. لكنه يعيش مغامراته القصيرة في أحاديث الركاب العشوائية وفي الكلمات التي يُدونها في دفتره لتصبح قصيدة شِعر صغيرة.
قد لايكون Paterson بعمق التحفة الكورية Poetry لكن مايميزه أنه ثري بالتفاصيل والبساطة بين باترسون رجل الحافلة وبين واقعه الممل الذي يُلهمه لكتابة الشعر. نعيش أسبوعاً هادئاً روتينياً من حياة هذا الرجل الذي يعيش مع زوجته الشغوفة بهواياتٍ كثيرة والتي تلهمه بدورها للكتابة وتشجع الشاعر من خلال حوارها معه عن الأحداث المهلمة التي تصنع يومه.
يركز جارموش على وجود قائد الحافلة بين المحطات التي يقف عندها والأشخاص الذين يجري معهم حوارات تقوده لمعنى أكبر لحياته ومن خلالها يخرج من واقعه وتشابه أيامه ويصنع من أتفه الأشياء وأكثرها جموداً مثل علبة كبريت، شِعراً وأسئلة ويستخدم أسلوبه البسيط في التعبير عنها. يتكرر مشهد بارتسون مستلقياً إلى جانب زوجته في السرير وتثير أحلامها التي ترويها له خياله للملاحظة أكثر في رحلاته اليومية، حيث يجد نفسه في حوار عميق مع طفلة صغيرة عن الشعر ومع شاعر ياباني لايعرفه عن كتّاب الشِعر المفضلين لديه كما لو أن كل هذه الأحداث العشوائية المدهشة تحدث في حلم من أحلام لورا.
بالرغم من أن الفيلم يركز على الشعر والكلمة إلا أن جارموش لم يهمل شاعرية المشاهد ولا الموسيقى، فجعل من هوس الزوجة لورا باللونين الأبيض والأسود الذي ترسمه في كل شيء من حولها إضافة أجمل وأكثر فناً لفيلمه، كما أن نجم سلسلة Star Wars آدم درايفر يقدم أداءً مميزاً في هذه الشخصية المُتقلبة بين أسلوب حياتها البليد والحساس.
إذا كنت تبحث عن فيلم يقودك إلى سلسلة من الأحداث أو إلى قصة مشوقة فربما لايكون هذا الفيلم الاختيار الأنسب لك، أما إن كنت من محبي الشعر وتبحث عن فيلم يأخذك إلى رحلة واقعية هادئة يقودها سائق حافلة نحو الشاعرية والفن فإنك قد تجد هذا الفيلم مُلهماً بكل مافيه من بساطة.
About Author
