تلفازمراجعات

مراجعة True Detective الموسم الثالث

أولاً وقبل بداية كل شيء.. المراجعة تنقسم إلى قسمين: قسم أتحدث به عن المسلسل، والقسم الآخر عن الموسم الثالث والحلقة الأخيرة منه.. ” يوجد حرق”

محقق فذ.. المسلسل الذي طالما أثار إعجاب محبي الشاشة الصغيرة في موسمه الأول، بل وأن HBO قامت بعمليات تسويق هائلة له قبيل إطلاقه، حتى أصبح البعض يراه أيقونة تلفازية من نوعه! والبعض الآخر لا زال يتداول اقتباساته ومشاهده، ولا عجب إن رأينا كل تلك الآراء الإيجابية حول المسلسل، فهو من إنتاج ملكة الشاشة HBO .. ولا ينبغي لأي محب للتلفاز أن يفوت على نفسه فرصة مشاهدة عمل من هذه الشبكة، لأن 99% من إنتاجاتها تُشاهد وتكون على أقل تقدير: ممتازة، وثانيا لإن المسلسل من كتابة العبقري: ” نِك بيزّولاتو”

المسلسل ليس كغيره من المسلسلات البوليسية، فهو لا يعتمد ولا يهتم مبدئياً بالقضية أو القاتل، بل إن اعتماده الأولي على حياة الأبطال، كيف تؤثر عليه هذه القضية، وكيف تستولي على عقله، على حياته اليومية، مع عائلته ومع أصدقاءه، كيف تخنقه عن العالم، كيف تجعله يكتم الأسرار، وكيف يندم على اتخاذ القرارات الخاطئة، وسيجعلك مع ثنائية ستعشقها بكل تأكيد، متأثراً بما بين تلك الشخصيات، وما يحدث معهما طيلة فترة التحقيق، كل هذا سيسرده المسلسل مع وجود طرف إبداعي على الجانب الآخر ” القضية ” فلن يجعلك المسلسل فقط تهتم في حياة هذا المحقق وصديقه، بل سيجعلك بين خيوط الجريمة من أول لحظة، ستبدأ تشك في الجميع وستبدأ بخلق نظريتك الخاصة بك، التي تتمنى أن تكون صائباً فيها في الحلقة المقبلة، الكتابة المتقنة والإخراج المذهل الذي سيجعلك تشاهد أجواء الفترة الزمنية التي تعيشها القصة وكأنها حقيقة، والأهم من كل هذا اختيار الطاقم التمثيلي المذهل، وهذا الذي نجحت به شبكة HBO عن باقي الشبكات فمن المستحيل أن تجد طاقماً تمثيلياً ضعيف الأداء لأيّ مسلسل من مسلسلاتها، وهذا أحد أهم أسباب نجاح المسلسل!

قبيل أن نبدأ في الموسم الثالث وأحداثه، دعونا نذكر أن المسلسل في موسمه الأول كان رائعاً بمعنى الكلمة، ومن منا لا يعشق تلك الثنائية بين راست ومارتي، فالمسلسل في ذلك الموسم اكتسب شهره كبيرة، وكوّن له محبين كثر، وفي موسمه الثاني أصاب الجميع الإحباط بما شاهدوا! لايمكن أن يكون هذا المسلسل هو نفسه الذي شاهدناه في موسمه الأول .. وفي موسمه الثالث، عادت الأمور إلى نصابها، فالمحقق الفذ قد عاد! ومع “الأوسكاري” ماهرشالا علي! والرائع ستيفن دورف! وخلفهم العبقري ” بيزّولاتو ”

بالحديث عن الموسم الثالث، سأبدي رأيي الشخصي فيه وأقول بأنه أفضل موسم شاهدته للمسلسل، متفوقاً على موسمه الأول، فقد كان مثاليا في جميع نواحيه، إخراجاً وكتابةً وأداء تمثيلي مذهل جعلني أتمنى رؤيتهم في جوائز الإيمي القادمة، أما بما يخص الأحداث، فالموسم كان يسير على ثلاثة خطوط زمنية، وهنا لفتني شيء رائع، وهو سهولة التفريق بين تلك الخطوط بمجرد النظر إلى قصات الشعر، بل بمجرد التمعن في الحوارات، وهذا ما فشل به وبرأيي مسلسل “ westworld “ حيث أنه أعطى خطوطاً زمنية ولكن بطريقة التذاكي على المشاهد، بحيث قد تكون مضطراً للرجوع إلى بعض المراجعات لمعرفة ما يحدث؟ ولهذا أقول دائما ” كل تذاكي ينجح حين يفشل ويستورلد “.

وبالعودة للموسم الثالث.

فقد بدأ الموسم كبداية أي مسلسل غموض بإلقاء طرف خيط للجريمة، وتعريف بالمحققين وكيفية حياتهم السابقة، وأعطانا بعد معرفة الخطوط الزمنية شخصيات تعتمد عليها القضية
الأطفال، الأم، الأب، المُدرِسة “زوجة واين مستقبلا” كذلك قريب لوسي والهويت !
الموسم كان إنسانياً بشكل كبير، مشاهد كانت تهمس لنا بالجانب الغريزي لدينا، الإحساس والشعور، فقد جعلنا نتعاطف مع الأطفال في بداية الأمر، ثم مع أحوال والديها وحياتهم البائسة بعدما فقدوهما، ثم مع أحوال المحققين أنفسهم، بعد مضي السنين، كيف أصبحت أحوالهم، ومشهد رولاند مع واين خير دليل وهو يقول (( أنا وحيد هنا بلا زوجة، وبلا أطفال، وبلا أصدقاء قدامى )) ولهذا أرى أن هذا الموسم قد تفوق وبشكل واضح على الأول من جميع نواحيه، المشاهد الدرامية الرائعة التي يمكن أن أحصيها في هذا الموسم قد تتجاوز العشرة مشاهد، وكل هذا في 8 ساعات فقط!

كذلك الموسم كان يسير بشكل ثابت في جميع حلقاته، كل حلقة خالية من الملل أو التكرار أو
” التمطيط ” والذي بطبيعة الحال يكره المشاهد أن يراه في مسلسله الذي يشاهده، وهذا ماجعل غالب مشاهدين مسلسل الموتى السائرون يتركونه من بعد موسمه السابع، لأن المشاهد سيطالب بمضي الأحداث سريعا وعدم إلتفافها حول نفسها، بلا فائدة لي كمتابع، فالموسم الثالث كان موازناً في سير الأحداث لكي نصل إلى الحلقة الثامنة والأخيرة وكل شيء قد تم، وبالطبع مسلسل من هذا النوع لن يخلو من التساؤل، ولن يخلو من طرح الأسئلة عما سيحدث بعد إنتهى القصة ؟ وهذا مانجحت فيه نهاية هذا الموسم، بإعطاء ولو تلميحاً لما سيحدث بعد ذلك، مما يجعلك تفكر بينك وبين نفسك بما سيحدث، وتكون هذه الفكرة راسخه في ذهنك، وهي الأقرب للحدوث، وستختلف النظرات لكل مشاهد بالطبع!

الإخراج كان مذهل إلى أبعد حد ووضعنا في جميع الفترات الزمنية بشكل رائع، الثمانينات، التسعينات، الألفية الجديدة، وهذه نقطة مهمه، فالموسم كان متكاملاً في كل شيء، لذلك قدمته على الأول، كان فارقاً، ومن أفضل المواسم التلفازية التي شاهدتها، ولا يمكن أن أقول أكثر من ذلك، أن يكون المسلسل قادراً على جذب كامل انتباهك، وتحريك عقلك في القضية، وإبهارك بالأداء التمثيلي والمتعة البصرية، فهذه بحد ذاتها تكون دليلاً على أن هذا الموسم ” تحفة ” إن جاز التعبير، ودون مبالغة، بل أني وجدت من يقول أن هذا الموسم ليس بالمستوى.

إقتباسات المسلسل جميلة، تستطيع فقط الدخول إلى منصة “ Tumblr “ والبحث هناك، ستخرج بإقتباسات كثيرة، مضحكة، مؤثرة، وعميقة.. هذه طريقة محقق فذ! كل شيء متوفر، أنت أمام عمل فني عميق، يجعلك تكتب عنه لا شعورياً، وتبحث عن مشاهده وإقتباساته وكل شيء يخصه،

الأن دعونا نتكلم عن الشخصيات المذهله برأيي في هذا الموسم والمهمة والتي أحدثت الفرق في الموسم

وبداية مع واين ” ماهرشالا علي ” الأوسكاري ليلة البارحة
أداء علي هنا من أفضل الأداءات التي رأيتها في التلفاز، لايمكن لممثل أن يتقن ثلاث أزمنة مختلفه هذا الإتقان الرهيب إلا وأن يكون ممثلاً بارعاً، وبالفعل أرى أنه حجز لنفسه مكانا له في جائزة الإيمي القادمة، ولكن دعونا نتحدث عن شخصية واين؟ الي كانت مكتوبة بشكل متقن، المحقق الذكي، والجندي السابق، الذي لايجد لرأيه قبول بسبب لون بشرته وكذلك المحقق الذي أهلك نفسه من أجل الحقيقة في كل مرة، واين كان لايقف عن البحث، والاسئلة ولكن حياته بدت مأساوية، أُغلقت القضية مرتين رغم أنه يعلم أنها ليست النهاية، القضية جعلت من واين محطم وبائس وجعلته يفقد حتى الإهتمام بعائلته، دائماً كنا نرى النزاعات بينه وبين زوجته، حياته مأساويه، وتنضم إلى شخصيات قد شاهدتها مسبقاً بالكآبه والبؤس والحزن، كشخصية تشاك أخ سول في المسلسل الشهير ” Better Call Saul ” كذلك شخصية كريسي ” The Sopranos ”

أما إيميليا ” زوجة واين ” فكانت إضافة رائعة للموسم، الكاتبة التي كانت تبحث في تفاصيل صغيرة في القضية، الفضولية التي طالما كانت تسأل زوجها عمّا يحدث، حتى في أثناء إصابته وإشتباكه! وكانت سبباً في حل القضية، وشكلت دوراً مهماً في القضية، أما بما يخص علاقتها مع واين فلم أستسيغها، لم تكن واقعية بالنسبة لي على الأقل إلى حد كبير، متذبذبه، ولكن كان لها تأثير قوي على القضية، وعلى حياة واين كذلك

أما الشخصية الرائعة ” رولاند ” والأداء الرائع، الممثل المساعد دائما ماينال إعجابي في كثير من المسلسلات، وكذلك الأفلام وهنا ستيفن دورف جسد لي هذا الإعجاب، أما للشخصية فقدمت عدة مشاهد كانت الأفضل في المسلسل، حياته كانت فارغه، رغم ذلك قدم أفضل مشاهد المسلسل وأفضل حواراته، الثنائي المكمل لواين، طيلة الوقت لم أشعر بالملل من مشاهده، بل على النقيض تماما، رغم كل ما حصل له، فقد قدم المساعدة لواين في جميع الفترات الزمنية، حتى في آخر عمره وقف إلى جانبه، رولاند كان المكمل لواين، في كل شيء، في الحقيقة رولاند لم يكن يملك إلا واين وواين لم يكن يملك إلا رولاند، القضية إمتلكتهم الأثنين، وأخذت منهم الأثنين

أما الشخصيات المثيرة للجدل طيلة الموسم فكثيره، الأب والأم كانوا محل شك، كذلك قريب الأم، وهناك الرجل ذو العين الواحدة، الذي أعطى لواين ورولاند مفتاح القصة، وأوضح كل شيء لنا، ماضي جولي، كيف عاشت، كيف هربت، ولماذا، كيف بدأت تطرح الاسئلة، ومشهد رولاند وهو يتركه يتعذب مع هذا الذنب الي إجتاحه كان مبهراً، رولاند يريد الإنتقام، وأنتقم بأفضل طريقة..

النهاية كانت هادئة نوعا ما، بعد كل تلك الصراعات والتساؤلات والأحداث، والحقيقة النهاية لم أكن أتوقع منها شيء، لإن الحلقة التي سبقتها وضحت كل شيء تقريبا، والنهاية كانت مرضية وجميلة ونهاية لقصة واين وصديقة وقضيتهم، أساسا لم يكونوا يطاردون قاتل، كل ماحصل رأيناه في فلاش باك، بنت الهويت المريضة نفسياً بسبب موت إبنتها قررت تأخذ جولي، لكن أخوها كان عائق لها لكن موته ماكان متعمد، كذلك أم جولي كانت طرفاً في بيع إبنتها، لذلك يتصور لنا بعد أن رأينا النهاية أن نعرف أن المسلسل تمحور حول واين ورولاند وكيف تعاملوا وكيف كانوا وأين صاروا، القضية في نهاية المطاف كانت قريبة منهم، وجولي كانت هي الهدف الرئيسي بعد موت كل أقاربها..

يوجد في الحلقات الأولى طفل كانت تكلمه زوجة واين، وكان حزين، واين قرأ كتاب زوجته أخيرا وهي تقول ( كان يوجد طفل كلمته عن جولي ثم بكى وقال أني كنت أريد أن أتزوجها ) أستفاق واين أخيرا وعرف السر، وفي الحلقة التي قبلها كانت زوجة واين تسأل زميلات جولي، وفي مشهد خاطف مرت الشاشة على شاب يعمل في ذلك المكان، تبين أخيرا أنه ذلك الطفل الذي أحب جولي، وتبين أيضا أن جولي عاشت معه وأنجبت منه، وفي اللحظة التي أنتظرها واين، بعد 30 سنة من الإنتظار قرر يقابل جولي، لكن في اللحظة التي أقترب منها أصابته نوبة النسيان، الزهايمر الذي كانت جولي أحد أسبابه، ينقذه اليوم من المزيد من التساؤلات والمشاكل، وجولي التي كانت مصدراً في تشتت واين كانت في تلك اللحظة السبيل إلى إنقاذ واين، ودلته على طريق الراحة، لا مزيد من الهموم معي فأنا بخير، وهذا المهم، واين يعود، سعيد ومحاط بعائلته وصديقة.. وينتهي المسلسل باللحظة التي قرر واين يتزوج بها من اميليا..

الورقة التي كانت مع هينري أحتفظ بها، وهذا يعطينا تلميحاً عن التساؤلات التي ستطرى لجولي وماذا حدث لها وماذا سيحدث، المسلسل لمح لنا بشكل واضح أن هينري سيكمل عن أبيه، الذي لطالما كان يهتم به، ولايريده أن ينخرط مجدداً بهذه القضية، وبالطبع سيكملها مع رولاند، الفارغ لكل شيء.. وهذه لفته جميلة من المسلسل بما أن المتبقي كان حلقة، ولا يمكن أن يوضحون أكثر من ذلك..

المشهد الأخير كان الموضح للموسم كاملا.. واين يدور وضائع في الغابة، تماما مثل ضياعه في مرضه، واين المشتت، واين لايستطيع إيجاد نفسه..

أخيرا .. الموسم يعطى العلامة الكاملة، وأستمتعت كثيرًا، وسأفتقد حلقاته يوم الإثنين صباحاً، الروتين الأسبوعي.. النظريات في كل أسبوع والإنتظار .. كل شيء إنتهى.. وداعاً.. إلى موسم رابع قريب..

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. مراجعة ممتازة جدا وتقريبا فصلت كل شيء بالموسم ولكن أختلف معاك في كونه افضل من الاول، الاول كان مختلف وربما نسيت احداثه واجواءه لذلك فضلت هذا عليه

  2. انا مدري شلون الثالث افضل من الاول؟؟

    اذا من ناحية تمثيل وعمق شخصيات مافي مثل رست ومارتي
    ومن ناحية قصة وحبكة وتويستات الاول افضل ايضا بمراحل

    بعدين طريقة الاخبار بالحقيقه عن طريق الرجل الاعور اشوفها سيئة وفيها كسل من الكاتب تمنيت يكشفون عن الحقيقه بطريقه افضل من كذا

    شكرا عالمراجعة🌹

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.