تلفازمراجعات

‏Chernobyl – عرض درامي لمأساة مخيفة

في المسلسلات التي تعرض لك حادثة واقعية، أو قصة قد حصلت في زمنٍ ما، سيكون تركيزك الأول على موقع الحادثة أو القصة، وشخصياتها، ثم بعد ذلك تريد أن تعرف ماذا حصل، وبطبيعة الحال لا تريد تصوير وإخراج أقل من المرجو! وهذا مانجح به مسلسل الملكة HBO الجديد، والذي قبيل أن أبدأ بالحديث عنه أحب أن أنوه إلى أنه قد اعتلا الترتيب العالمي لأفضل الأعمال التلفازيه في الموقع الشهير IMDb متجاوزا الجميع! بعد عرض ثلاث حلقات منه فقط!

قبل أن تبدأ المسلسل – حتى وإن بدأته – يجب عليك أن تقرأ عن الحادثة، وتشاهد الوثائقيات، ليكون لديك إلمام في الكارثة كاملة، حتى إذا شاهدت ما يقدمه العمل، تدرك أنه عمل متقن من جميع النواحي، هو ليس عمل درامي بالأصل حتى يقال بالمعنى العامي (حرق) إن تكلمت في أحداثه لأن وظيفة المسلسل ليس تقديم قصة درامية، بل هو يقدم لك كمشاهد تفاصيل تلك الحادثة المروعة، وأدق تفاصيلها، والأحداث المفصليه بها ! ثم بعد ذلك سيقدم لك الطابق الدرامي، الذي تمكن من سرده بطريقة مثاليه جدا!

-كارثة المفاعل النووي

تم تصنيفه كأسوأ حادث نووي في تاريخ البشرية! ذهبت خلاله أرواح كثيرة، ذكروا ما بعد الحادث أن مجموع القتلى لا يتجاوز الأربعين شخصًا، لكن أكدت مصادر عالمية أن عدد القتلى تجاوز عشرات الألف إثر إنفجار المفاعل، بينما قالت منظمة حقوقية أخرى أن عدد الضحايا تجاوز ال90 ألف شخص! فخطورة الإنفجار ليست محصورة فقط بمن كان قريب منه، حتى على القرى المجاورة أثر فيهم ذلك، فكان الأغلب بعد مضي أشهر فقط من مغادرته المنطقة يصاب بأمراض خطيرة أكثرها آن ذاك – سرطان الغدة الدرقية – الذي أصاب أكثر الضحايا الذين سكنوا قريبا من المفاعل! وكل هذا بسبب الإشعاع المنبثق، ولم يقتصر هذا على الأشخاص في ذلك الوقت، بل إلى يومنا هذا تسجل المراكز الصحية حالات لها آثار مزمنه بسبب المفاعل، عوضا عن الأطفال الذين يولدون مشوهين ! لهذا أُعتبرت لدى المختصين أسوأ كارثة نووية بالتاريخ!
-صورة حقيقية للمفاعل بعد الإنفجار:

– التستر السياسي

يعلق المسلسل على هذه الناحية والتي كانت لها أثر مفصلي في الحادثة بجملة
” ماهي كُلفة الأكاذيب”؟
في بداية الأمر علِم المختصون أن الكارثة ستكون كبيرة ومروعة، لكن المسؤولين لم يلقوا لهذا بالًا في أول يومين من الإنفجار، واعتبروا كل ما حدث مجرد حريق وسينتهي أمره في غضون أيام، وهذا ما جعل الكارثة يزداد أثرها حاصده أرواح الألاف من البشر، وهذه آفة المجتمعات البشرية التي تكون تحت حكم سياسيين ظلمة! أرواح البشرية تُلعب وتُدار خلف مصالح شخصية ولا أحد يلقي لها بالاً.
يعلق أحد المشاركين في موقع الكارثة اللواء “فلاديمير تيونيوكوف” :
“في البداية لم يلتزم أحد بمعايير السلامة ضد الإشعاعات، لم يتم تجهيز الملابس اللازمة، حيث قام الأشخاص بالإستحمام وإزالة الأوساخ ليس كما يجب ثم لجؤوا إلى النوم، وعلى الرغم من من استخدام المواد الحامية للشعر، فقد إمتصت الإشعاعات تلك المواد بشكل كبير، ولم يعلم الناس أنهم كانوا يؤذون أنفسهم بأنفسهم”

– الصراع بين العلم والسياسة

العلماء احتاروا في هذه الكارثة وكانوا يكررون في كل مرة أن هذا لا يمكن أن يحدث، مما يجعلك مطّلع أكثر بعد الانتهاء من المسلسل على كل التفاصيل، لا الأفلام الوثائقية ولا المقالات ستمكنك من معرفة كل هذه التفاصيل البسيطة، والذي نجح المسلسل بمنح صورة كافية عنها
العلماء أدركوا الخطر المحتوم، لكن كما ذكرت، أيادي السياسيين التي حصدت أرواح الناس بغير حق هي المشكلة الأولى، رغم أن المعني الأول بمعرفة كل هذا هم العلماء، لكن المهم أن الأمر لا يسبب مشاكل للقادة حتى لو أدى ذلك بحياة مئات الأشخاص!
– المسلسل يعطي مثالًا لهذا – في أول اجتماع قال مسؤول في المدينة بعد نصح العلماء له بإجلاء السكان: لن يخرج أحد من المدينة، وبعد أن انكشف كل شيء وتحتم إخراج الجميع كان أول شخص يركب القطار هو هذا المسؤول! معطيًا بهذا صورة للوضع المتستر خلف كل حادثة سياسية يذهب ضحيتها ألاف الأشخاص، وليست محصورة على كوارث وأخطاء، بل حتى في المجتمعات التي تعاني بسبب الحروب، ستجد أن خلف كل هذا ” سياسي قذر ”

المنطقة أصبحت مزار سياحي!!

بعد مرور أكثر من 33 سنة، لا زال البعض يتردد إلى منطقة “تشيرنوبل” بقصد السياحه، وبإمكانهم رؤية المدراس والبيوت وهي خاوية، لكن بدون أن يلمسوها لإن الإشعاع لا زال له خطر كبير على حياة الكائن الحي!

-تصوير المسلسل للكارثة بشكل مخيف

في أول حلقة شاهدنا تلك المشاهد المروعة التي أوصلها لنا العمل بأفضل طريقة، عندما رأينا رجال الإطفاء وأجسادهم تحترق لمجرد أنهم لمسوا حجرا كان قريبا من المفاعل! ورجال المفاعل أنفسهم وهم ينزفون بدون أن يلمسوا أي شيء! مبينا بذلك وحشية الحادثة المروع، وهذا ماجعله في الترتيب الأول في قائمة المسلسلات! فتصوير الأحداث المروعة أمر لا يمكن أن يكون بسيطًا، أن تجعل من الكارثة عرضًا دراميًا يجذب الناس إلى القصة ليس كذلك بالأمر السهل!

-دقة المسلسل في إختيار الشخصيات

تم اختيار الطاقم وساهموا بضبط أشكالهم لتكون شبيهه تمامًا بالشخصيات الحقيقية التي عاصرت الحادثة، فالعمل اهتم بأدق التفاصيل، وكأنه بذلك يرسل رسالة إلى Game of Thrones الذي اتفق أن يوافقه في وقت عرضه! كنا نرى تلك المهزلة صباحًا ثم في الليل يأتي هذا العمل ويعوضنا عما رأينا في الصباح!

-سرد المسلسل للحادثة
من المشهد الأول اهتم العمل بأصغر التفاصيل وأدقها، رأينا كيف كان الرعب في موظفي المفاعل حينما وقع الخطأ، اندهاش الفيزيائي المسؤول من أن يكون هذا قد وقع فعلا! وهذا ما لم يجد تفسيره المختصون، حتى إن فاليري – إيد هاريس – أرسل صديقته اولانا إلى الموظفين الذين باشروا الحادثة في موسكو لتسألهم عن الذي حدث وحينها ردوا جميعا بإنهم تأكدوا بإنهم قد ضغطوا الزر، وفي هذا يغوص المسلسل في تفاصيل الحادثة، والمسؤولين عنها! وأيضا يغوص في أسبابها، ليكون المشاهد ملما بجميع ما حصل! حتى في أمور لا يفهمها! كالفيزياء والبيئة والمفاعلات النووية!

ومع أن المسلسل فقط من خمس حلقات وقد عرض منه ثلاث إلى الأن، إلا أنه قدم الصورة الكافية حتى الأن، حيث أننا لم نتسائل عن أشياء لم نعرفها، وفي الحلقات القادمة سنرى استكمال القصة، متأكد تماما بعد “الكمال” الفني الذي رأيته أن هذا العمل سيقدم كل شيء فيما تبقى!

الساعة تمضي سريعا دون ملل، كل مشهد يعني حدث مهم وجديد، ومفصلي في الكارثة، في المقابل كنت في الست الأسابيع الماضية صباحا أشاهد حلقة من مسلسل آخر مدتها ساعة كاملة وفي كل دقيقة أعود إلى هاتفي وأنظر إلى الساعة وكلي أمل أن تكون قد انقضت سريعًا! فليس كل عمل سيقدم لك ساعة تلفازية كامله ستنال إعجابك وبالطبع ستكون ” ممتعة ” ومن غير ملل أو حشو في الأحداث أو تكرار! وهذا ما أسميه حرفيا (( بالنجاح التلفازي ))

– الإخراج وروعة الأداء

لعل أكثر ما يميز العمل التلفازي هو إخراجه، فحينما تشاهد عملًا بحقبة زمنية قديمة تريد أن ترى تلك الحقبة أمام عينك، والأجمل إن كان كل هذا يتوافق مع روعة أداء وإختيار للشخصيات، حينها لا يمكن أن يكون العمل إلا كاملًا، فالمسلسل أعطى نموذجًا فنيًا مشابهًا لوقت الحادثة، للأزمة في المكاتب السياسية، بين العلماء، والمستشفيات، والشوارع والسكّان، ولعل أكثر ما جذبني إلى العمل هو هذا الأمر، فلا يمكن أن أرى عملًا يجسد مشاهد حقبة زمنية معينة ويتقنها ويتفنن في إتقانه إلا كان عملًا لا ينسى وعلى سبيل المثال تحفة FX المسلسل الشهير The Americans الذي قدم بين أعيننا نسخة تلفازية تمثل حقبة الحرب الباردة بين الروس والأمريكان، ونجح أعلى النجاح في المستوى الكتابي فضًلا عن الإخراج والتصوير والشخصيات التي سيتذكرها التلفاز إلى الأبد!
ورغم أن المتبقي حلقتين فقط إلا أن المسلسل سيكمل مهمته التي أتى من أجلها وهي تصوير تلك الحادثة بخمسة ساعات فقط، مدونًا بذلك واحدًا من أجمل المسلسلات القصيرة على الإطلاق.

-لفته-
في بعض الأحيان مثل هذه الأعمال قد يجب عليك أن تتكلم عنها بطريقة واقعية أكثر، بمعنى أن تُخرج ما في قلبك ليعبر هذا الكلام عن هذا العمل، لكن هذه المقالة تعريفية بالمسلسل وأهم ركائزه وليست تفصيليه بحلقاته وأحداثه المأساوية!

-رسالة بسيطة من HBO إلى بقية الشبكات

هذه الشبكة لها أثرها الكبير في الشاشة، فهي التي قدمت أفضل الأعمال الدرامية، الشخص التلفزيوني يعرف قيمتها الحقيقية، فلديها معادلة لاتعدل عنها ” حيث أنها تقدم 15 عملا في السنة الواحدة، ومحصلة الأعمال الممتازه والناجحه هي 14 في الغالب!” وهذه الرسالة إلى Netflix تحديدًا التي تنتج مئة عمل في سنة واحدة والمحصلة = عمل واحد الذي سينال إعجابك، فعلى سبيل المثال هذا العمل سيكفيني عن مشاهدة عشرات أعمال نيتفلكس!
” ليست بكثرة الأعمال، بل بإتقانها”

-أفضل مسلسل تلفزيوني قصير ؟
قد يكون هذا العمل في طريقة لهذا، المتبقي حلقتين فقط، تقييمات مرتفعه واراء نقدية إيجابية عالية، والأهم أنه يعتلي صدارة الترتيب التلفازي في الموقع المفضل للمتابعين “ IMDb “ مما يعني أنه قد يكون كذلك، بالنسبة لي كل هذه التصنيفات لا تعنيني، المهم أن هذا العمل جعل له منصة خالده في التلفاز كمسلسل قصير.

 

ما رأيكم بالعمل؟ هل شاهدتموه؟ شاركونا رأيكم بالتعليقات

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.