فيلم Marriage Story عندما تتحدث البساطة بأعمق القصص

حين شاهدت إعلان فيلم Marriage Story لم ترتفع توقعاتي كثيرًا، حتى أني لم أكن بهذا الترقب. كنت أخطط لاستكمال حلقات مسلسل أتابعه _منذ شهور وأنا أقوم بتأجيل استكمال مشاهدته_ حين ظهر الفيلم في الصفحة الرئيسية لنتفليكس. وكالعادة لِما لا، لأشاهد بداية الفيلم إن كانت جيدة سأكمل وإن كانت لا فحلقات المسلسل لا زالت تنتظرني.

وكما يبدو لقد كانت المقدمة جيدة، المقدمات السعيدة دائما جيدة. نحن مستعدون دائمًا لمقاطعة ما نقوم به من أجل جرعات السعادة. هذه البداية التي دفعتني لأكمل المشاهدة وأنا أترقب ما سيحدث تاليًا. بداية بسيطة ولكن تحمل في طياتها الكثير من التساؤلات التي ستدفعك للتمسك بمقعدك والاستمرار بالمشاهدة.

“أدم درايفر” بشخصية “تشارلي” المخرج المسرحي، صاحب الرؤية الإبداعية والذي على وشك أن يقدم أول مسرحياته في “برودواي”. الرجل العصامي القادم من “إنديانا” إلى “نيويورك”، ليكون (نيويوركيًا) أكثر من أهلها.

“سكارليت جوهانسون” بشخصية “نيكول” ممثلة تركت “لوس أنجلوس” وعالم “هوليوود” والشهرة وانتقلت إلى “نيويورك” لتكون نجمة مسرحيات زوجها “تشارلي” وشريكته بالنجاح.

نحن الآن على بُعد دقيقتين من بداية الفيلم، الزوجين السعيدين يُخططان للانفصال، ونحن حقًا لا نعلم كيف لهذا الحب والانسجام أن تكون نهايته الانفصال. لتنطلق رحلة الفيلم بقيادة المخرج “نواه باومباك” لنتعرف على ما سيحدث لاحقًا وما الذي قادنا لهذه النقطة.

البساطة القاعدة التي تبني عليها النجاح

لم تحمل القصة أي تعقيدات في تفاصيلها جميع الأمور بسيطة، واضحة وواقعية. ليس بالضرورة كل انفصال أن يكون سببه الكره، ولا عدم الانسجام، ولا التوافق، قد يكون أبسط من ذلك كله. اختلاف الطرق واختلاف النظرة إلى المستقبل. لا زال الحب حاضرًا، لا زالا يريدان سويةً الأفضل لابنهما. الأمر ليس معركة (أو لم يبدأ كذلك) لا تهم المكاسب الشخصية بقدر ما يهم أن يكون ابنهما “هنري” ضمن بيئة صحية وسليمة، وأن لا يعاني تبعات انفصالهما. لا يريدان أن يكون هناك محامين بينهما. مستعدين للتخلي عن أيّ شيء إلا “الكبرياء”.

خط تصاعدي للأحداث ينتقل بنا من مشهد لآخر بسلاسة مع تحضير مسبق للمشهد التالي، مما يضعنا “كمتابعين” بحالة من الترقب. وكأننا نخوض الأحداث معهم. كل سِجال وكل حوار وكل حدث أخذ حقه الكامل، خبِرنا القصة من وجهات نظر الزوجين. وقد تجد من يميل لجهة “تشارلي” وتجد من سيوافق “نيكول”. ليس الأمر أبيض وأسود إنها مواقف ووجهات نظر.

بساطة القصة هي من سهلت الغوص في القصة، جميع الخطوط الفرعية بالكاد يمكن أن تشعر بها، لم تؤثر على سير القصة ولم تشتتنا عن الخط الرئيسي وأحداثه.

هل سيكون الفيلم نقطة تحول بحياة سكارليت جوهانسون الفنية؟

كل من يعرف سكارليت جوهانسون وتابع أفلامها يعرف بأنها لا تملك قبل هذا الفيلم أيّ فيلم يحمل أداءً يستحق الإشادة به، كانت تقدم أفلام بأداء متوسط إلى مقبول نوعا ما. لكن هذا الفيلم رأينا سكارليت بشكلٍ مختلف، تقريبًا هو أفضل أداء نسائي أراه بهذا العام وبلا شك الأفضل لسكارليت على الإطلاق، وغالبًا ستنال عنه ترشيحًا للأوسكار هذا العام.

كانت بقصة شعرها القصير مختلفة تمامًا كنا نستطيع رؤية تعابير وجهها بشكلٍ لم نعهده من قبل في أغلب الأعمال التي قدمتها، أو ربما كانت الشخصيات التي قدمتها سابقا شخصيات سطحية لا تحتاج لهذا الأداء، وفي كلتا الحالتين أبدعت سكارليت جوهانسون بهذا الدور، وحقًا أتمنى أن يكون هذا الفيلم نقطة تحول باختياراتها القادمة. بعيدًا عن دورها القادم بالأرملة السوداء

أما آدم درايفر هذا الرجل قدم الكثير من الأعمال الرائعة سابقًا وتستحق الإشادة، يملك كاريزما خاصة تُشعرك بأن الأدوار التي يقدمها لن يستطيع أحد آخر على تقديمها. وفي هذا الفيلم استمر بنفس النهج مقدمًا شخصية بسيطة، بسيطة لكنها معقدة بذات الوقت “وكأن البشر ليسوا جميعًا كذلك 😓”،استطاع أن يوصل حالة العجز الذي يشعر به بشكل أتعبني به صدقًا.

جميع الشخصيات المساندة بشكلٍ عام كانت رائعة جدًا ولعل أفضلها “لورا ديرن” حقًا دفعتني بشكلٍ كبير لكي أكرهها وأبغضها، وهذا شيء يحسب لها ولا يحسب ضدها.

ما الذي فعله نواه باومباك؟

على مستوى الأخراج كان الأمر مشابهًا جدًا للكتابة، لا مبالغة بالتقنيات والحركات والرمزيات، وهذا ما سمح أكثر بظهور إبداع الممثلين، حتى الصورة والألوان تشعر بأن الفيلم من حقبة التسعينات أو الثمانينات.

أكثر مشهد أعجبني جدًا إخراجيًا كان مشهد إغلاق البوابة، كان المشهد يحمل الكثير من الرمزية ورسالة واضحة عن مكنون الفيلم بشكل عام.

المشهد الأخير أيضًا كان رائعًا ويحمل خاتمة أعجبتني، وقد لا تعجب الجميع لكن لن نخوض بها تجنبًا للحرق.

وأخيرًا…

لا يخفى على أحد أن الفيلم أثار ضجة في وسائل التواصل الاجتماعي ونال مديحًا من النقاد والمتابعين، ولعل هذا يظهر جليًا بحصوله على 6 ترشيحات لجوائز الغولدن غلوب هذا العام، ونيل نجومه ترشيحات لجوائز حفل نقابة ممثلي الشاشة.

الفيلم هو من نوعية الأفلام التي لا يسبقها ضجة كبيرة، ولا يسبقها حملات إعلانية ضخمة، ولا تسريبات تطل عليك في كل مكان. ولكن من الأفلام التي ستذكرها حين ستتحدث عن أفضل أفلام العام.

ختامًا فيلم Marriage Story قدّم دراما رائعة، وقصة بسيطة وأداء ممتاز ويستحق المشاهدة.

شاهد فيلم Marriage Story من هنا على Netflix