أفلاممراجعات

مراجعة فيلم Hereditary بعض الكوابيس لا تنتهي

عندما نفكر بأسوء كوابيسنا نستحضر الشعور بالخوف من أن رعباً ما استطاع أن يحاصرنا إلى درجة جعلتنا نصدق أن ما نراه هو الواقع الذي لا مفرّ منه. بعض الأفلام تأخذنا في رحلة تشبه رحلة الرعب الغامضة التي قد نراها أحياناً في الأحلام وما يجعلها رحلة ممتعة هي المفاجأة التي لم نكن مستعدين لها والأحداث التي تسير عكس التوقعات ويبدو أن المخرج والكاتب آري أستر اتبع هذه الوصفة المشوقة في فيلمه الأخير Hereditary حيث نجح بالفعل في مناقشة أسئلة من خلال شخصيات الفيلم التي كانت جميعها لا تعيش الخوف فحسب بل وتصنعه وهو أمر نادر بالنسبة لأفلام الرعب التي تعتمد عادةً على تجسيد مباشر لعنصر الرعب في وحش ما أو أرواح شريرة أو قاتل مجنون. لكن ماذا إذا كانت قصة الفيلم تدور حول العائلة بكل ما تثيره العلاقات بينهم من توتر خيبات الأمل، الإهمال، الأسرار والصراعات النفسية المتوارثة.

يفتتح الفيلم بوفاة الجدة في العائلة إلين لي التي لا تثير خسارتها دموع آني غراهام (توني كوليت) ولا حزنها نظراً للعلاقة السيئة بين الأم المصابة باضطراب الهوية التفارقي وابنتها لكن موت إلين يثير قلقاً كافياً لجعل آني تلتحق بجلسات استشارية للتعامل مع الحزن. وهو محور مهم من محاور الفيلم ،التعبير الإنساني العاجز أمام الحزن والذي يأخذ شكل تحولات نفسية متناقضة ومعقدة وفي حالة آني التي يتحتم عليها أن تتعامل مع صدمة أكثر وحشية وهي مقتل ابنتها في حادثة مفزعة وبينما كانت برفقة شقيقها الأكبر بيتر (أليكس وولف).

الإيقاع البطيء للأحداث وخصوصاً في بداية الفيلم لا يهدف إلى بناء الرعب الذي ينقل حالة المُشاهد من الاندماج إلى لقطات الذعر المباغتة بل على صنع توتر مستمر طوال الفيلم يجعلنا نستشعر مساحة القلق الناتجة عن عدم قدرة الشخصيات على التعامل مع الحزن والخوف في الوقت نفسه والذي ينعكس حتى في أسلوب الإخراج الذي يعتمد أيضاً على التناغم بين التوتر الداخلي في المشاهد التي نرى فيها التركيز على الانفعالات وتعبيرات الوجه وبين التوتر الخارجي المكاني الذي يشبه الأحلام المزعجة في غموضه وارتكازه على الواقعية والوهم معاً.

ما يميز هذا الفيلم ليس الفكرة ولا مشاهد دموية أو عنيفة لكن ما يجعله مختلفاً بالإضافة إلى العامل الدرامي هو دور نجومه في المحافظة على وتيرة القلق إذ لا يمكننا الحديث عن Hereditary دون أن نقف أمام أداء توني كوليت الاستثنائي والذي حصد إعجاب العديد من النقاد وفاز بعدة جوائز كأحد أفضل الأدوار النسائية الأدوار في هذا العام كما جعلها مرشحة قوية للأوسكار في قوائم التوقعات. ومن المؤكد أن شخصية آني غراهام ليست بالشخصية السهلة بل على عكس الصورة النمطية لشخصية الأم في بعض الأفلام، تملك آني شخصية متناقضة وتعيش حالات متتابعة بين الهلع والغضب والحزن وحتى البلادة ولعل أميز مشاهد الفيلم هو مشهد عشاء العائلة على طاولة الطعام عندما تقطع آني حاجز الصمت بينها وبين ابنها المراهق الذي تحمله مسؤولية موت شقيقته ويخالط اللوم شعور نقيض تماماً وهو عقدة الذنب أنها ربما تحولت مسؤوليتها التي لم تخطط لها وتكرهها في أن تكون أمّاً إلى عنف لاشعوري يجعلها تحاول إلحاق الأذى ب ابنها دون وعي منها .وهذه الفكرة أن شخصيات القصة ليس لديها سيطرة كاملة على وعيها يجعل الجميع في دائرة الشك والجميع يتشارك دور الضحية و دوافع الشر في نفس الوقت.

أحد عناصر قوة الفيلم أيضاً هي النهاية خصوصاً إن كنت من محبي النهايات التي تثير أسئلة أكثر مما تجيب. تمركز الرعب حول الشخصيات في بداية الفيلم يجعلك في حيرة عن مصدره وتفسيره، هل هي ظواهر خارقة غامضة؟ هل هي أوهام تبدو واقعية بالنسبة لأشخاص يجمعهم تاريخ من الأمراض عقلية ؟ هل هو كابوس متوارث في جينات عائلة واحدة؟ هل هي حقيقة واضحة أمامهم لكنها كانت أكثر رعباً من أن يدركها أحد؟. الإجابة محيرة أكثر وكأنها تقطع كل الاحتمالات التي أوهمك الفيلم بها وجعلك تركز عليها ليقدم لك تفسيراً خارج الحكاية نفسها إلى حكاية ميثولوجية وكأن كل أحداث الصراع العائلي الصغير ماهي إلا امتداد لما هو أكبر وأعم من مجرد شخصيات تعاني من مأساة طويلة وعلاقات مليئة بتاريخ مظلم .وحتى مع الاتجاه السريالي الذي تسلكه القصة في النهاية لاتزال هنالك مساحة للاعتقاد بين أن واقع الفيلم كان مجازياً ورمزياً أو أن ما حدث كان بالفعل يعود إلى بُعد ثالث ليس من الخيال البعيد ولا من الحقيقة التي نعرفها.

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.