تقارير سينمائية

مقال : ما بعد كتابة السيناريو

كتابة : عبدالعزيز العيسى

 

أن كنت تريد أن تصبح كاتب سيناريو جيد عليك أن تكون مُتأملاً جيد.

فعلى عكس كتابة القصص والروايات فإن كتابة السيناريو “الفعلية” تبدأ عند اللحظة التي تنتهي فيها من كتابة السيناريو

حيث يجب عليك إعادة التفكير في النص مشهد تلو الآخر وهذي العملية تتطلب جهدًا عظيم من التأمل والهدوء والوحدة ايضًا

وفي هذه اللحظة يكون عدوك الأول هي فكرة جديدة تنمو في رأسك.

لتجعلك مشتت وغير مستقر. قد تعتقد أن هذه القصة الدخيلة أجمل من قصة فيلمك ولكن صدقني ماهي إلا سراب صنعه عقلك المبدع حتى ينشغل بها . بعد جهد عظيم بذله في كتابة السيناريو. هو لا يحب العمل على فكرة واحدة فقط. ذلك ممل بالنسبة له

لا تهتم بشأنها. فقط أغلق عينك وتأمل النجوم.

ولو كنت تمتلك صديق غير مهتم بالسينما فأنت محظوظ، أخبره قصة فيلمك كما لو كانت قصة حقيقة.

لا تهتم برأيه فكما قلنا صديقك هذا لا يعلم حتى وجود نصوص للأفلام.

فإن قدرتك على حكاية نصك بحد ذاتها أمر مهم بالنسبة لك وستكون بحاجة إليها يومًا ما

اليوم التالي شاهد فيلم ما. وحاول، تقسيم المشاهد المصورة كما لو أنها على ورقة.. ردد حوارات الممثلين كما لو أنك تقرأها.
فإن أجمل ما في صناعة السينما أن الأفلام التي لطالما عشقتها هي مرجعك الدائم.

ولكن يكفي الان مشاهدة، فعليك صنع فيلمك الخاص كما أتفقنا..

عد مرة أخرى إلى النص، أطبعه واقرأه كما تقرأ روايتك.. هل ترى الان كم أنت أحمق؟
لا بأس هذا يحدث دائمًا..
قصتك قبيحة بالطبع ولا تشبه ذلك الفيلم الذي شاهدته. اذًا كل ما عليك فعله الان هو كتابة النسخة الثانية..

وعند انتهاءك من النسخة الثانية ستردد:
يا لجمالها.. ستكون فيلم عظيم! بل هي أحد أجمل النصوص على مر التاريخ.. أتفهم شعورك وأعرفه جيدًا تشعر أنك كتبت نص عظيم ولكن عقلك جعلك تعتقد ذلك مقارنةً بنسختك الأولى فقط!

هل رأيت كيف يتلاعب بك عقلك؟
ولكن لا تهتم فأنت في حاجة إلية على كل حال..

الان أذهب إلى صديق آخر مهتم بالأفلام وأخبره قصتك واسأله “هل تريد أن تشاهد فيلمًا كهذا؟”
في الواقع صديقك سيقوم بدعمك ولكن لا يهم وكما أخبرتك ستحتاج لإتقان حكاية قصتك فيما بعد

الان.. أهدأ وأذهب في نزهة مع اصدقائك انسى كل شيءً يتعلق بالنص.. مارس الرياضة، ثم أذهب لمشاهدة فيلم في نهاية الأسبوع.

بالطبع ستلاحظ تطورك في محاولة فهم سيناريو الفيلم أو كيف هي الطريقة التي كُتِب بها وأني أخبرك انك سريع التعلم.

الان أخبرني.. هل القمر مكتمل اليوم؟
هل هذا سؤال غريب!؟
في الواقع هذه حيلة حتى أعرف هل تركت التأمل ام لا.. لا تهتم.

أذهب الان وأكتب نسختك الثالثة..

أعلم انك مصدوم، فقد قمت بتغير القصة تمامًا أليس كذلك؟
حتى النهاية التي لطالما أحببتها..
ذلك طبيعي جدًا.

ولكنك الآن أصبحت تمتلك ثقة أكبر في نفسك وأصبحت ترى كم هي قصتك متماسكة.. أنا فخور بك فعلًا. ولكن الان نحن أمام الأختبار الأول.
حاول البحث عن منتج أو مخرج ليتبنى هذه القصة..

الان حان وقت الإستفادة من حكاية قصتك للأصدقاء..
أخبره القصة.. قلها وأنت تعلم أنه سيخسر أموال كثيرة ولكنك لا تهتم.
فأنت ستنفذ الفكرة سواءً أُعجِب بها أن لم يُعجب..

قدرتك على الإقناع ستجعله يتبناها بينما نعلم جميعًا أنك لا تعرف أي منتج سواه وأنه كان من المفترض أن تُقبل يداه لكي يقبلها ولا يضيع جهدك

ولكن عليك أن تكون واثق من نفسك.

ولكن لم ننتهي بعد، فالمخرج لديه تعديلات ورؤية مختلفة عن النص. وقد أرسل إليك ثلاث صفحات مليئة بالأفكار الجديدة والتعديلات يريدك أن تكتبها الان.

وتستمر إعادة الكتابة حتى تظن في داخلك أن الأمر لن ينتهي وستزهق روحك من تلك الفكرة وتلك الأحداث وهذه الشخصيات الغريبة التي لا تعرف سوى أسمائها التي سميتها أنت

وستدعو الله كثيرًا أن يجعلك لا تفقد عقلك وتراهم في الواقع. فهم في نهاية الأمر شخصيات حقيقة بالنسبة لعقلك اللاواعي

ولكن وما أن ترى فيلمك في الشاشة الكبيرة سينتهي هذا الصراع وتجد نفسك بلا وعي مُنخرط في كتابة فيلم ثاني وثالث وعاشر وكأن الأمر ادمان ليس إلا

وستعلم في نهاية المطاف أن هذا ما يجعل كتاب السيناريو الناجحين مختلين عقليًا.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. نحتاج إلى منتجين ينفذون الأفكار الجريئة والجنونية في القصص، لا نحتاج إلى سقف قصير يجعل أفكار القصص تترنح.. فالمنتج الجيّد يعكس صورة الكاتب الجيّد.

  2. كلام مهم وسليم .. اخر عبارة جميلة

    في جزئية اقناع المنتج او المخرج هي بالاخير حظوظ خاصة عندنا.. تعبنا ونحاول نقنع احدهم ياخذ النص .. لكن اجزم اني انا الصح وهم الخطأ

    بالتوفيق عزيزي ..

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.