تقارير سينمائيةفن

ماذا عن الشخصيات التي تتحدث؟

شيءً ما يشبه المقدمة:

بين يديك وتحت رحمة قراراتك عشرات الشخصيات بأعمار وصِفات ومواقع مختلفة عليك تأثيثها وتخيّل شكلها.. ويرى الجميع أن عليك جعل بطلك ينتصر في نهاية الأمر وإلا فلن يكون لقصتك قيمة.

هذه كلها خيارات بين يديك ككاتب سيناريو. ولكن ما الذي تحتاج معرفته حين ما تود كتابة فيلمك الأول؟

في رأيي أنت لا تحتاج سوى شخص يخبرك الطريق فقط، شخص يضع النقاط على أحرفك. حينها تستطيع أن تنطلق بأسلوبك وخيالك أنت. كما نعلم جميعًا ليس هناك طريقة خاصة لكتابة الأفلام، لا يجب عليك أن تمارس الشعوذة مثلًا! الأمر بسيط. أكتب حياة تراها في داخلك. لا تنصر مبادئك الشخصية وأراءك الاجتماعية ولا تناقش ما يجب أن يفعله الفرد وما يجب ألا يفعله. فإن ذلك ليس عملك ككاتب سيناريو.

ماذا عن الفكرة التي في رأسك دائمًا؟

جميعنا نملك أفكار كثيرة ولكنها مبعثرة في أدمغتنا المشغولة بتلك الأفكار الروتينية. “ماذا أكل على العشاء؟ أين وضعت مفتاح سيارتي؟” ولكن حين ما تجلس بهدوء تبحث عن فكرة نحولها لفيلم جميل، فإن تلك المهمة تكون أصعب مما نعتقد.

ولكي تجعل ذلك ممكن عليك أولًا أن تعيش ككاتب. وذلك يعني أن نتنبه جيدًا لكل شيء حولك، كل حدث وكل كلمة. فكما تعلم أن كل شيء قادرًا على أن يتحول فكرة. باستثناء قصة حياتك التي تعرضها على كل كاتب سيناريو تصادفه.

دعنا نعتقد انك وجدت فكرة جميلة وقد زاد إعجابك بها عندما حفزك اصدقائك حين ما أخبرتهم بها.، ولكن تتفاجأ حين ما تكتبها أنها أقصر مما ظننت، أو أسوأ مما يتوقع اصدقائك. وذلك أن بناء القصة السينمائية مختلف قليلًا عن الحكاية.

بناء الفكرة السينمائية

هل تتذكر صاحبك الذي كنت تتذمر منه أنت واصدقائك بإنه “يبالغ” في وصف الحكاية وذلك بسبب أنه يقول لكم تفاصيل ليس لها أهمية في نظركم؟

أريد أن أخبرك الآن بأن تقنع صديقك أن يكتب سيناريو لفيلم سينمائي فإن ذلك هو ما يتطلبه الأمر. كتابة السيناريو تتطلب دقة في الأحداث ومنطقية في السرد، وذلك يعني انه عليك إخباري بالحكاية من البداية التي يجب أن تكون منطقية مرورًا بالمنتصف الذي يتوجب عليه أن يشدني ويجعلني أترقب كل كلمة تخرج من فمك حتى نصل إلى النهاية الجميلة التي طال انتظارها.

بكل اختصار تلك هي بنية الفيلم السينمائي.

عليك أن تتعامل مع السيناريو الجميل الذي تكتبه كالعمارة التي تبينها. كما تعلم فإنه يجب أن يكون أساس المبنى صلب وقد شُيد بإحكام كذلك يجب أن تكون فكرتك الأساسية. فكل ما كانت ركيكة وضعيفة سينطبق ذلك على جميع أجزاء فيلمك مهما حاولت تدارك الأمر.

ماذا عن الشخصيات التي تتحدث؟

إلى هنا أعتقد أنك كتبت قصة جيدة ولكن هل شخصياتك كذلك؟

سأخبرك بصراحة أن خلق عدة شخصيات متناقضة ليس بالأمر السهل.  الكاتب الجيد هو من يفهم شخصياته، ليس لأنهم شخصيات في الواقع. وشخصيات الواقع على سبيل المثال تتمثل في الأب الذي لا يفكر سوى بزواج أبنه والأم التي لا يشغلها سوى حديث الناس.

نحن نتحدث هنا عن الشخصيات التي في رأسك.

يجب أن ترسم شخصياتك جيدًا وتتفهم اختلافهم ومستوى وعيهم وثقافتهم. وذلك لا يعني مفهوم “الخير والشر” أو التضاد المفتعل. وإن كان هناك اختلاف بين شخصياتك يجب أن يكون ذلك بسبب مكوناتهم الشخصية فقط. أي أن تلك الشخصية يجب عليها أن تكون كذلك لكونها تكره هذا الفعل أو تحبه أو تتفاعل معه من أجل ماضيها الخاص، وذلك يتعارض مع وجهة نظر الشخصية الأخرى. الذي نفترض أنه سيكون عدوه طوال الفيلم.

كتابة شخصية متكاملة هو فن بحد ذاته لا يتقنه الكثير. خاصةً من يحاول جاهدًا دمج السينما بالواقع.

لماذا نكره سينما الواقع؟

دعونا نفترض أن هناك حدث شعبي أو سياسي هز أركان البلاد لدرجة أنه من المستحيل أن يكون هناك أحدًا لم يسمع به. وفي تلك الليلة أتاك صديقك الغليظ وأخبرك بتلك الحادثة وكأنك لم تسمع عنها. ماذا ستكون ردة فعلك؟ هل ستسمعها للنهاية أم ستخبره بإنك سمعت عن الخبر بالطبع!؟ كونك تعيش هنا.

ذلك بالضبط ما يفعله الرجل الذي يكتب نصوصه اعتمادًا على ما يشغل الرأي العام. ذلك لا يمثل الفن أو السينما وليس له علاقة بالإبداع وهو بالطبع ليس توثيق للواقع إطلاقًا.

لو أن الجميع يكتب ما يحدث في الواقع لما أصبح هناك فرق بين السينما والإعلام.

تذكر دائمًا بإن المشاهد يريد مشاهدة فيلمك حتى يخرج من الواقع ويدخل عالم أفكارك ككاتب ليس لمشاهدة وجهة نظرك أو رأيك تجاه أي قضية.

شيء ما يشبه الخاتمة:

سأتحدث الان عن نفسي وعن تجربتي رغم أني لا أفضل ذلك غالبًا فأنا لا أرى تجربتي تستحق الكتابة ولكن سأكتبها على كل حال كوني أنا من كتب هذه المقالة..

أولًا: اعلم أنك إن كنت في حاجة لأحد مختص أن يعطيك بعض المعلومات التي تخص كتابة السيناريو فإن ذلك ليس طريقك..

ثانيًا: يجب أن يكون لديك شغف الإطلاع والبحث بنفسك وعدم الحاجة إلى كلام محفز أو مطمئن بشأن مستقبلك ككاتب سيناريو.

ثالثًا: لا تكتب من أجل المال.. ولكن تأكد أنك ستحصل عليه إذا ما عملت بجد

رابعًا: أكتب نصوص كثيره ولكن أعلم أنها لن تنتج جميعها، لا تكتب من أجل الإنتاج، أكتب لنفسك وحينها ستعلم ما هو النص الذي ترغب فعلًا في انتاجه

خامسًا: لا تحضر دورة خاصة بكتابة السيناريو حتى ترضي شيءً في نفسك. اقرأ كتب السيناريو1* وتأكد فعلًا أن ذلك الطريق الذي ستسلكه والذي ستعاني من أجله

سادسًا: تأكد أن الطريق مليء بالعثرات والأيام السيئة. لن يقرأ لك أحدا في البداية حتى وأن استقبلوا نصك بحرارة ستنتظر أشهر طويلة ولن يتم الرد عليك. ولكن لا تتوقف وتنتظر رد من أحد. أكتب نص آخر حينها ستعلم لماذا لم يُرد عليك في النص السابق

سابعًا: اقرأ كثيرًا وشاهد أفلام ومسلسلات عديدة فإن ذلك سيساهم في توسيع أفق أفكارك

ثامنًا: أخرج مع كاتب سبق له إنتاج أعمال سابقة فإن ذلك سيجعلك تدرك الكثير من الأمور المتعلقة بسوق العمل وتجربة الكاتب هذا نفسه. أتذكر كلمة قلتها لأمي حين ما خرجت مع الكاتب السعودي مفرج المجفل حين ما سألتني ما فائدة لقاءك بكاتب مثلك. قلت لها حينها وبدون تفكير أن ذلك اللقاء قد يختصر عليّ سنوات من الفشل والخوض في الطُرق غير المجدية

تاسعًا واخيرًا: لا تتوقف يومًا عن التأمل والتفكر.

1*

كتب سيناريو مهمة:

كتاب السيناريو للكاتب سيد فيلد

كتاب فكرة السيناريو لفرانك هارو

كتاب انقاذ القطة لبليك سنايدر

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.