تقارير سينمائيةمراجعات

مراجعة الفيلم الرائع جداً | Room

قد يظن من يسمع عن فيلم Room أو يشاهد إعلانه إنه فيلم إثارة أو رعب، تدور أحداثه حول حادثة اختطاف أخرى لكن Room خالف كل هذه التوقعات بتقديمه للوحة درامية مؤثرة من الدرجة الأولى، بل  أكثر ما أعجبني فى صناعة هذا الفيلم أنه كان من الممكن أن يتحول لفيلم ( رعب ) أو يتحول لفيلم أكشن ومغامرة، لكن صنَّاعه أرادوا أن يجعلوا منه فيلماً إنسانياً قادراً على تحدي الوقت وأنّ يٌكرس لمعنى دائم.

‏يحكي الفيلم قصة جاك (تريمبلاي)، صبي يبلغ من العمر 5 أعوام ترعاه والدته المحبة والمخلصة (لارسون) في وضع هو أبعد ما يكون عن المعتاد، حيث أن الاثنين محاصران في مكان لا يتعدى مساحته إلا أمتار قليلة، والذي تشير إليه والدة (جاك) دائما باسم (الغرفة)، خلقت والدة (جاك) له كونًا موازيًا كاملًا داخل الغرفة، ولكن بدأ الفضول ينمو بداخل (جاك) حول وضعهم، فتقوم بِسَنِّ خطة محفوفة بالمخاطر من أجل الفرار، الفلم حاز على ١٠٣ جائزة من أصل ١٣٧ ترشيح أهمها أفضل ممثلة في دور رئيسي (بري لارسون) في الثلاث الجوائز الكبرى: بافتا/غولدن/أوسكار، حاز الفلم على تقييم 8.2 في موقع IMDB ، و 94% في الطماطم الفاسدة.

‏كانت قدرة المخرج آبراهامسن مذهلة على إبتكار طرق مختلفة لإبقاء المٌشاهد محصوراً في الغرفة، حيث قدمها من زوايا مختلفة، وفي كل مرة مشهد مختلف للمكان نفسه، ليبقي المٌشاهد محصوراً هناك مع الأم وإبنها، مٌستعيناً بعدسات تعكس الألوان الصامتة، إذ برغم الضيق تشعر بأن الغرفة فضاء واسع تخلق طرفاً ثالثاً في الفيلم، وهو المراقب الذي يروي كل شيء وبالطبع هو صوت جاك.

خلال الفيلم يقول الطفل جاك “الغرفة تذهب في كل اتجاه”، ويقول أيضا “أنا في الخامسة من عمري، لكني أعرف كل شيء”، تلك الجمل إلى جانب أخرى تعكس خصوصية العلاقة بين الأم وابنها، التي شكلت له تفاصيل العالم بمنظوره البريء لكنه يكتشف لاحقا بشاعة العالم الحقيقي.

‏Room ، ليس بالفيلم الكامل، ولكن قوة أداء ممثليه، خصوصاً الطفل – جايكوب تريمبلاي – أكثر عمقاً ، حيث قام – آبرهامسن – بالسماح له بأن يلتقط الأنفاس ويعمق الإحساس بالدهشة والرهبة، بدءاً من الإحساس بالإنطواء حتى لحظة خروجه، كونه لكل شخصية عالمها المختلف والحفاظ على حقائق ثابتة زرعتها الأم في مخيلة صغيرها وأبقت عليه ، جاك الطفل الذي وُلد في غرفة معزولة عن العالم، ولا يعرف في هذا العالم سوى أمه وهذه الغرفة التي كانت هي عالمه الذي يحتوي كل شيء، العالم الذي بتعبير جاك عالم لا منتهي، جاك الطفل الذي يشاهد التلفاز يوميا ويعتقد أن كل مايشاهده عبارة عن عالم سحري خادع قد تكون هذه “النظرة” صحيحة جدا لو تناولناها من بعد فلسفي فكثير من محسوسات العالم الخارجي مواد لها وقتٌ معلوم وستزول يوما ما وبشكل ما مهما سَرقَنا هذا العالم بجماله وإتساعه وتنوعه وتعدد أشكاله لكن لكل شيء أجل، الورقة التي سقطت على نافذة السقف في غرفة جاك وأمه كانت رمزًا للزوال رمزًا للمادة المؤقتة رمزًا لوجود عالم حقيقي ولكنه زائل لامحالة الورقة التي رفض جاك أن يستوعب حقيقتها أو يستوعب سقوطها على نافذته وكأنه يرفض أن يصل هذا العالم لأعماقه، أو لأن يتشبث به وينغرّ بسحره وينغمس في تفاصيله، ليستطيع فيما بعد أن يرحل بهدوء تام ،ربما لم تكن هذه رسالة العمل بدقة، لكنه عمل ذكيٌ جدا يجعل المشاهد يبحر في كل مشهد، ويخرج برسالة سامية للغاية ،الفيلم حواره فاتن جدا، قد تذرف الدموع اثناء المشاهدة، وتتأثر بالقصة ليس من عادتي أن اتأثر وأنا أشاهد فيلما لكنني فعلت في ثنايا المشاهدة أكثر من مرة، كاتب القصة بارع جدا، وتمثيل الممثلين مبهر و رائع، الكلمات تتضاءل أمام وصف هذا العمل البديع، لذلك أترك لمن لم يشاهده فرصة الاستمتاع بالقصة وتفاصيلها .

‏سينما آبراهامسن لا تخلو من التراجيديا في قصة مؤلمة فيها من الحب والحنان والألم بقدر ما فيها من بشاعة الواقع المظلم لعالم الكبار بعيني الصغير اللتين شاهدتا كل شيء واختبرتاه.

‏‏لم يهتم الفيلم بما حدث للخاطف المغتصب لكنه اهتم بالضحية، فرصد كيف يتعايش الإنسان مع الوجع وكيف يستخدم الخيال ويروضه حتى يجعل الحياة قادرة على الاستمرار، وبعد الخروج من الغرفة الخانقة وضح الفيلم كيف تدمرت حياة الجميع بالخارج وكيف يحاولون إصلاحها معتمدين على مساعدة بعضهم، كما أشار الفيلم إلى أن نتائج الأشياء لا تتغير فجأة لكن الأمر يحتاج إلى تهيئة، فقد اعتبر الكثيرون أن الأزمة انتهت بالخروج من الغرفة، لكن الأمر كان أكثر تعقيدا من ذلك، والأهم أن الفيلم أظهر قوة الطفل فى تجاوز الأزمة وقدرته على استيعاب المتغيرات المحيطة به وتحديد أهدافه بالحصول على صديق وكلب يعيش معه فى الفضاء الخارجى كما كان يطلق على العالم

‏الفيلم مؤلفٌ من نصفين و نصفين تعني معناها حرفياً ، بالدقيقة  يحاول ليني آبراهامسن من خلال ذلك نقل التجربة العسيرة التي عاشها بطلا الحكاية من مستوى النقل / التلقين ، إلى مستوى الممارسة / المشاركة ، خالقاً نصفاً أول بالغ الحميمية و الحيوية و الأثر و نصفاً ثانٍ هادئاً و رتيباً و قد يجعلك ترغب في انتهائه ، هذه النقلة المدروسة هي ركن عبقرية ليني آبراهامسن في التعامل مع نص دونيهيو ، مجرد أن يشعر المشاهد بوجود النصفين و بتفوق أحدهما على الآخر و بمتعة أن تعيش النصف الأول على أن تعيش النصف الثاني يكون آبراهامسن قد نجح بتفوق .

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.