مراجعات

مراجعة مسلسل Better Call Saul الموسم السادس الحلقة الثانية عشرة.

غروب

 

اكتنفها في قلبهِ سنوات، من تلك السيجارة التي أخذها من بين شفتيها ليقبلها فتحيط بأفكاره ليستوعب ذلك الغضب الذي أفرغه على حاوية الحديد. من هناك وشفتيه على شفتيها وقلبه بقلبها فكانا عجائب لبعض، حتى وصل اللهو واللعب لطلقة رصاصة أسقطت التأنيب في قلبها ومضت كقلم لا حبر له، هاربة مما فعلته لتؤجل حياتها، لتغيرها، لتهرب من اللبس الذي تلبسه كل يوم، ومن تسريحة الشعر التي تصففها كل يوم -تسريحة ذيل الحصان-  لتسدل شعرها ويكون غامقًا فالأسى يملأ حياتها. أما هو بات خاشعًا بعد أن رأى الحقيبة، ذاهلًا لحالها، يريد أن يغمض عينيه ويفتحها ويجد نفسه على سرير النوم وهي بجانبه تنظر له بحبٍ وعاطفة، ولكن يطرف جفنه ويرتوي فكره بمنظر خالي لا أحد بجانبه فقد رحلت، تلك التي احتواها قلبه وعقله رحلت، وما بقي إلا فضاء لا متناهي من العتم.

 

غارقة في الكذبة في الصدمة لم تعد كما كانت ارتطم حالها بالملل تدور حياتها بالفراغ، تطهو، تركب الصور، لا حصر للملل فالسبيل التي كانت تستمتع به انقطع بات ماضيًا لا تريد تذكره. وجب عليها أن تبدأ علاقة عاطفية فكانت مع شخص أبله لايفرق بين السويد وسويسرا، ووضعه في السرير كوضع طفلٍ لا يعرف العاطفة والشهوة، وهي أسفله لا تبدي أي متعة لتكون مخدرة طوال الوقت لا يقع على عاتقها شيء فإن سُئِلت سؤالًا فهي تترنح بالإجابة “فانيلا أو فراولة” “الماينيز”، يغلبها عدم المسؤلية، لا تحدد خيارتها بل تسأل الأخرين فلا جزم لديها أبدًا، فكلمة ربما أو كليهما هي المناسبة. الحقيقة لديها معكوسة تطفو على حائل يسير سقط حين قالت: “هذا ممتع”  ونرَ إنعكاسها بالمرآة الذي يمثل ازدواجيتها. في صمت، أسنان الفرشاة تحارب أسنانها تؤلف بين اللثة والسن وتزينها ببياضٍ ثلجي، تذهب لتجعل جسدها يتدلى للنوم ونراها هناك وحيدة وكأنها تتذكر سابقًا وقتما تحارب الفرشاة أسنانها وهي تتحدث مع جيمي ويذهبون لتتدلى أجسادهم سويةً، فيما مضى كان هكذا والأن سمفونية الصمت حائرة في مضجعها.

 

انفصلت عن العالم فقد غلبها التعب، يغنون وأذنها بليدة بأصوات المحاكم والماضي التعيس، مثقلة بصوت الرصاصة، لاتنتشي بلحظة فرح عيد الميلاد، هي صامتة منفصلة في الطرف أخيرًا هناك تنظر وتصفق للمظاهر، يظهر هذا المشهد إطارًا فارغًا لحياتها التي تخلو من الاهتمام وانفصالها عن هذا العالم الذي تعيش فيه بشخصيتها المنتحلة “ليس هناك شيء حقيقي”. الخداع والكذب كلفها حياة ممتعة مليئة بالخير، وجعلها تعيش حياة تأكل فيه “سلطة التونة” أكلًا مختلفًا عمن حولها وتعيش في حياة لا يجعلنا فينس نستكمل بها شيء فيقطع بعض المشاهد بسرعة بدون أن يكتمل الحديث.

 

حنجرة متحشرجة يزينها الحزن من وحدته، تعاقبت الفصول وفصله واحد فصل الخوف والوسوسة فحياته مقنعة بالضبابية والسحاب فلا صوت مألوف يسمعه، كل مايسمعه الريبة والشك. هناك في الكشك الذي يحمل الليل بجوفه يكلمها بلطف ليسحبه العنفوان ويقول: “مازلت هنا، مازلت أفلت بعمليات الاحتيال، لا يستطيع ضباط الشرطة الفدرالية أن يكشفوا أمري ولو تجليت أمامهم” براثنه ظاهرة وليست ناعمة، فقد يخلب العين بألوان الخداع، ويغسل الوجه بظلامه، ويحشو الصدر بأنينه للماضي. صامتة تعيد بناء القلعة القديمة بعد أن هدمت، بعد أن زمجرت الريح في أركانها وقالت لها “قولي شيئًا” فردت وقالت: “تريد أن أقول شيئًا، يجب أن تسلم نفسك.” انفجر بركانه وترنم لها غضبًا قائلا: “ولماذا لا تسلمين نفسك للشرطة؟ بما أنك صاحبة الضمير المثقل بالذنب” لترد بهدوء: ” أنا سعيدة أنك على قيد الحياة” تقفل الهاتف بعد الزمجرة والغضب في وصلهم، تهديه صمتًا لائقًا لتبرئ ضميرها المثقل وتغسله بالراحة بعد أن كُتم وظل هكذا مرتحِل في جوفها وعقلها.

 

قفص خالي هكذا نظرت له كيم بعد أن كان يُملأ بذاك الشخص الطاعن. مايك لا يراه كقفص وإنما محيطًا واسع يضرب شاطئه الجبال، والأن نراه خاليًا صامتًا من كل صوتٍ حي، يوقظ الانتباه آلةٌ ملساء تلفظ ورقة وتلقف ما كان حي بداخل  المحيط. هكذا كانت الذكرى ماضيًا وحاضرًا، نواكب السير ونختفي كأشباح في أنفسنا. الشمس تسبب الوضوح فهناك دائمًا ما يخفي الشمس كحاجز دائم فصراعها وضح حين كانت تذهب للمحكمة والشمس تدفع نورها مابين الحواجز العلوية والنور يأتي ويذهب فباقات الضوء استمرت تعلن نورها حتى وقفت أمام بوابة هاورد وغطى وجهها الظل وحين فُتح الباب امتلأ وججها نورًا شيئًا فشيئًا فالحقيقة هكذا تظهر.

 

صامتة هناك، يقطع فكرها الألم الدفين في أضلعها لم تنطق ببنت شفة منذ ذلك الحين وعندما أفرغت ما يضيم عليها، بعد سكون لم يستطع الامتثال. مزقت نطقها مرة واحدة ونطقت بمناجاة وصلاة وعربدت بالحقيقة الخافية في سكرة الواقع، حزمت كل ما في صدرها وأخرجته دفعة واحدة مصدر الشقاء ظهر، بان في حلته المؤلمة، لا يفهم هذا الحزن إلا من كابده. يتجمد المكان في رحلة الباص وتعانق البكاء عناقًا شديدًا فقد بعدت عن ذاتها ونهشت جسدها، أخرجت روحها بكاءً ليسير الأيمان بها ويطأطِئ الكمد أضلعه بنفسها، ليبدو النشيج نغمات الأسى وسمفونية الاحتراق. نطقها قد ندب، نشجيها في مدد، فكرها من هلك. ترعرع في جوفها الأمد الغائب وبقت هناك تبكي منهكة تمامًا، لتسمع صوت الحقيقة تُغرَّد من ذلك الخفاش الذي يغتنم دمها، فتعلم بأن الحقيقة ظهرت وسيُكمِل الكون مجددًا نفسه ليلتصق بها من جديد كرضيع فقد اصبعه التي يضعها بفمه.

 

تحت غسل المطر وقطراته النافذة، تغادر حياتها السابقة بقطع آخر خيط بقي عالقًا، مستقبلهما لا يسير في اتجاه واحد، فهو كالبرق يتشتت ويغسل السحب بدروبه. قفص “مايك” ولى، والأن سيجارة كيم ستتولى، تُذِكرنا بذلك المشهد وبتلك السيجارة التي بدأت العلاقة لنا وتجعل نفس السيجارة تنهي العلاقة لنتسمر لهذه النهاية تتركه خلفها يصرخ لنكسب المزيد، وهي معلقة بمستقبل تملأه قطرات المطر الميتة بالبرود والتأنيب الذي يمثله كمية سقوط المطر عليها وثقله. تباين الحالات لأول سيجارة وآخر سيجارة كيف كانوا وإلى ماذا وصلوا. “حين عرفته، كان بارعًا” تخطو أسفل المطر وتجعله يغسل ذكريات ماضيها لتنساه.

 

يعوي مستقبله خوفًا من ظلمته فالأسود والأبيض غمرته من أول حلقة ولم يضيْءُ بعينه منذ ذلك الحين إلا ماضيه، وكأن الماضي يزور زجاجة النظارة على عجالة ويجعله يرى كيف كان الماضي زاهيًا ملونًا لا طيش به ورعونة كل ما به تصرفات حذقة بارعة من مجرم ذكي. لا النهار ولا الليل سيعتم على نظرته تلك، وانعكاس  الماضي يغرب في مستقبله.

 

  • زرقاء كبحرٍ هائجٍ تتلاطم صوره لتخرج من لجته فتاة واقفة في مطار. تبدل المدخل -انترو- الحلقة ويظهر صورة بوسطه لكيم وهي في المطار.

 

  • صوت التفكير هو ارتداد وصدى للأفكار الواجمة التي يحتويها عقله يضرب بالكرة مرارًا ليتحكم بسير أفكارهِ ليبعد الاضطراب من هذه المقابلة لمن جعلته يعاني في الفراغ بعد أن ملأت حياته ضجيجًا. “نحن الشعب” هي الكلمة التي تفتتح عليها الكاميرا وهي جملة ترتبط بكاتدرائية العدالة، وكأنها تربط وجود كيم هنا فهي فكرتها من الأساس.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.