أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : غريب. كالمشاعر

1

طبيبي أخبرني انني اصبحت قادرًا على التجاوز. ولكنّي لم أكن كذلك

 

السماء كانت صافية في الخارج والصمت في سيارتي كان قاتل، لا شيء غير الهدوء. كنت أنظر إلى تلك العجوز وبجانبها شاب حزين يجلس على كرسي متحرك. كانت تطلب المال لتصبح قادرةً على إطعامه، أعطيتها أوراق مُجعدة كانت في محفظتي وتمنتْ لي حياةُ سعيدة

لم أكن مستعد للذهاب، ولكنها كانت الزيارة الأخيرة. لقد قطعت مسافة طويلة لكي أصل إلى هذه المرحلة من علاجي. طبيبي يدعى “عرفان” يعتقد أنني مريض وأحتاج إلى العلاج النفسي كما يدّعي.

كنت أستمتع بالحديث معه، كان يلهمني. وكنت في حاجة لكتابة المزيد من القصص. هو الانسان الوحيد الذي أخبرته الكثير عن حياتي فأنا لست على وفاق مع غالبية البشر. ولا مع موظفة الاستقبال الصماء. ولا مع جاري الذي يستوقفني كل صباح لكي يخبرني عن علاقته السيئة مع زوجته السمينة

بعد الحادثة. أصبحت غريب، أفعل أشياء كثيرة. حتى لا يتفرغ ذهني للتفكير، لقد ذهبتْ وذلك كل شيء. أصبحت أربي القطط وأهتم بها وأعمل وأزور طبيبي النفسي صباح يوم الجمعة وبعد ذلك أعود إلى غرفتي الصغيرة وأكتب ما يريد عقلي، لكي أنام مرتاج البال محتفلًا بانتهاء أسبوع آخر ملل للغاية. لم أتخلص منها في احلامي بعد ولكن صورتها بدأت تتلاشى من مخيلتي. لم أعد ارى غير نسيم بارد يحمل رائحة الجنة.

سألني الطبيب فور دخولي إلى مكتبه الصغير بعد انتظار دام ثلاث دقائق:

_هل رأيت الشمس اليوم؟

لم أجب. سؤاله كان سخيف. كانت الساعة العاشرة صباحًا وأنا لم أتناول طعام الإفطار بعد ولم أشرب قهوتي منذ اسبوع

_يوسف! سألتك: هل ترى الشمس هناك. مُشيرًا إلى النافذة

_لماذا منعتني من شرب القهوة هذا الأسبوع؟

سأل بجدية _هل فعلت ذلك؟

_نعم! فذلك ما طلبته أنت!

_نعم، أنا طلبت منك ذلك. ولكنك أخبرتني أن القهوة مهمة في حياتك!

ثم أردف متأملًا بعد صمت لم يدم طويلًا _لقد تخلّيت عنها بكل بساطة بعد ما طلبت منك فعل ذلك!

_ظننت أن ذلك أمر مهم. أعني في علاجي كما تعلم!

_ وهل تعتقد أن إخراج تلك الفتاة من عقلك امر غير مهم؟

_أخرجتها منذ تلك الليلة ولكن، ماذا عن مشاعري؟ هل تعتقد أن الأمر بتلك السهولة؟

_منذ ثلاثة أسابيع ونحن نتحدث هنا. وأنا أعتقد أنك بخير وقادر على تجاوز تلك الفتاة. كُن رجل وأفعل ذلك يا فتى. فقط أخرجها من رأسك، صدقني سيكون الأمر ممتع

_عرفان صدقني لا أستطيع فعل ذلك. أنا رجل مرهف

قال متنهدًا _أعلم ذلك.

_لم أعد أحتمل

_هل صرخت بأعلى صوت تملكه في السابق؟

_لا أعتقد ذلك!

_قم بتجربته. سيكون ممتع هو ايضًا!

صرخ حتى ظننت أنه لن يكون قادرًا على الحديث مرة أخرى. وفعلت ذلك ايضًا وكررته مرارا وبالفعل كان الأمر ممتع!

 

 

2

سيدي! هل تريد مشاعري؟

انتهيت من كتابة القسم الأول من قصتي التي اختلقتها اثناء جلوسي في ذلك المقعد المشابه لمقعد طبيب الاسنان. انتهى علاجي النفسي. ولكن الأمر لم يختفي، من صدري. اشعر بذات الآلام. قلبي ينقبض ويصبح صغير للغاية حين ما أتذكر تلك الليلة.

أعتقد أن قلبي سيتقلص حتى يختفي إلى الأبد وسأصبح عجوز كئيب غير مؤمن بالحب. أوراقي تتهاوى. الكلمات كانت تذبل في هدوء، رحت أجمعها بحرص. أجلس على مكتبي الصغير أحاول كتابة قصة جميلة عن المشاعر. حاولت الكتابة في السابق ولكن لم ينجح الأمر. ربما شخصياتي كانت ضائعة

عدت إلى الطبيب. وكان هناك شخص آخر يستمع إلى ذلك الحديث الجميل عن الحياة

_لم اتعافى! قلت

_أنت تتحمل جزء كبير من العلاج. عليك الفعل بينما عليّ التوجيه والمشورة فقط!

_كيف ينتهي كل شيء!

_لا شيء ينتهي، حتى الحياة. دائمًا ما تكون هناك بداية بعد كل نهاية

_هل تريدني أن أبدأ علاقة جديدة؟

_لم أقصد ذلك حقًا. ولكن لا بأس ببضعة أشهر سعيدة!

قلت للرجل الجالس في مقعد طبيب الاسنان. يعترف للراهب كما يبدو _سيدي، هل تريد مشاعري؟

_هل تحملها لفتاة جميلة؟ سأل

_جميلة كالحياة

قال وقد بدأ حكيمًا _عد إليها يا فتى. فأنا أُفضل أن أعيش كئيب برفقة من أحب على أن أعيش سعيدًا برفقة منافقين

_الأمر ليس بتلك السهولة. أنا عالق في المنتصف، لا أستطيع التقدم وبالطبع لست قادرًا على العودة

_نحن مليئين بالمشاعر السيئة والمُحبطة. قال الطبيب

صرخت بأعلى صوت أملكه : تلك نهاية غريبة أيها الطبيب عرفان!!

ثم حملت الدُميتين ووضعتهم في خزانة ملابسي. وذهبت إلى النوم مرتاح البال مستعد لمواجهة اسبوع كئيب آخر!

 

كتابة : عبدالعزيز العيسى

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.