قصص قصيرة

قصة قصيرة: من بين الحضور… جلس هارون

كتابة: فيصل آل عمر

أقامت مؤسسة “الثقافة العربية القُح” مهرجانها السنوي الذي يستضيفون فيه كبار الأدباء العرب بغطاء أدبي ومضمون رأس مالي بحت، لا يستضيفون إلا من كَبُر جمهوره، وكثر ماله، أما المواهب الشابة فهم يندرجون تحت “لكم الله”

وقرروا استضافة الروائي الكبير “صالح يعقوب”.

روائي له جمهور واسع، ومال أوسع، كلاهما أمرهم مهم هُنا، وقبل بداية أمسيته الثقافية التي انتظرها جمهوره الكبير اتصل على المؤسسة قبل بداية الحفل بساعتين وأخطرها أنه ربما سيتأخر عن موعد الأمسية ساعة، عليهم أن يشغروها بشيء أو أن يتصرفوا بطريقةٍ ما.

فقرروا أن يستضيفوا في هذه الساعة روائي شاب أو شاعر، لا يهم المهم كبش فداء للجمهور الغاضب على تأخر الفنان وأن يصبوا جام غضبهم على “الكبش” لا على “الوحش”، اتصلوا بالكاتب “مهند فرحان” كاتب شاب ويجيد الشعر ينشر مقالاته وشعره في كل مكان وله قُرّاء أو لنقل داعمين والأهم أنه قريب من قاعة الأمسية ومتحمس، لن يهتم بالمبلغ المطروح ولا التحضير للحفل ولا الوقت، هي فرصة والفرص لا تنتظر من هم في حالة “مهند”.

رد عليهم بالقبول واتجه مسرعًا للقاعة،

وصل لهم..

نظر للجمهور الكبير، مسكين يا “مهند”؛ كان يأمل أن يبهرهم، أو يعجبهم أو في اسوأ الأحوال يصفقون له، مع كلمات مدح من الصف الأول، وبكل شجاعة استجمع قواه وانتظر في الكواليس وسمع المقدم يقول:

-جمهورنا الكريم…

نعتذر على تأخر الأديب “صالح يعقوب”

ولكن الآن ريثما يصل أديبنا

نقدم لكم أحد الشباب الواعدين ليقدم لنا بعض إبداعاته الأدبية

رحبوا معنا بالشاب “مهند فرحان”…

دخل المنصة..

الحشود الكبيرة لم يصفق له منها إلا خمسة أشخاص

أربعة من المنظمين

وآخر كان من الصف الأول، كان الأديب “هارون سلطان” قدوة “مهند” في الأسلوب الروائي والشعري، كان هذا أحد بوادر الفرحة البسيطة في وسط الخوف والرعب، أن يحييه قدوته.

بدأ وصلته بقصيدته النثرية “فرصة أخيرة”

وحين انتهى منها لم يصفق إلا قدوته فقط

والجمهور تذمر منه حتى انفجر أحدهم وقال:

-متى يأتي “صالح” أخرجوا هذا المستشعر!

كانت كالصفعة على وجهه، تخيل لو أن معهم ما يقذفونه به. كان يرى جموع الناس كأنهم جيشٌ غاضب يهاجم عدوه التاريخي، الكل غاضب إلا المنظمين كانوا في راحة أن لا أحد تطرق لهم، الهجوم كله على هذا الكبش المسكين.

ودخل الأديب الكبير “صالح يعقوب” دون سابق إنذار في دخول كأنه دخول الفاتحين،

أخذ المنظمون يد الشاب وسحبوه من المنصة وأخذوه للباب الخلفي، وقالوا له:

  • جاءتك الفرصة واضعتها على نفسك، فاشل فاشل فاشل.

  كدت أن تُخسرنا الجمهور، اخرج غير مأسوف عليك.

خرج من الباب الخلفي

خرج وهو خاسر لفرصته الاخيرة أم الأولى؟ لا يهم الآن فهي فرصة وخسرها

ولكن كيف خسرها وهو لم يخض منها إلا دقائق معدودة؟

أم أن الهزائم تأتي هكذا سريعة؟ أو أن القدر تدخل؟

نعم نعم إنه القدر

فلقد قال لهم قصيدة بعنوان فرصة أخيرة وهي كذلك

لأنه فرصة وانتهت..

عاد لسيارته وعيناه كأنها قررت أن تتقمص دور كل وديان الأرض،

قررت أن تُسيل الدموع بلا توقف،

الناس كلها عرفت أنه يبكي في السيارة، ليس لأن صوت بكاءه كان كأنه أعلى صوت بالمدينة، وليس لـ”ليترات” الدمع التي خرجت، بل لصوت رأسه الذي يرتطم بمقود السيارة، صوت بوق السيارة كان صوته عاليًا جدًا، وفي وسط الحزن، سمع طرق على نافذة سيارته، رفع رأسه، ونظر

إذا به الأديب “هارون سلطان” أحد أشهر الأدباء الشباب، كتبه تنتشر كالنار بالهشيم، هو الوحيد الذي صفق له في الحفل التعيس لـمهند

ظن للحظة أنه أتى ليكمل عليه سيل التحطيم، كان في جوفه صوت يقول: لا تفعل فأنت أملي.

وصوت آخر في صدمة يقول: “هارون” على باب سيارتي!

قال “هارون”:

-أهلًا يا صديقي هل تسمح لي بكلمة صديقي؟

لم يستطع “مهند” استيعاب الكلام من هول ما يراه الآن!

يستأذنني انا؟ “هارون” يستأذنني!

قال له: أنت أكبر من صديق أنت قدوة

أكمل “هارون”:

  • إذاً يا صديقي اسمع

لقد قرأت لك قبل هذه المرة، وأحب قصصك وشعرك وانتظر روايتك، خذ رقمي وتواصل معي دائمًا وأخبرني بإبداعاتك يا صديقي، وداعًا.

ورحل،

لكن لم يرحل صوته من رأس “مهند”

رقم “هارون” كان كأنه صك إثبات بنجاحه

وعينه الآن قررت أن تتقمص دور كل حدائق الدنيا

وشفتاه قررت أن تبقى مبتسمة للأبد،

بث في قلبه المكسور الأمل

شدّ يده على العمل

ارتفع رأسه

مات “مهند” وعاد حيًّا، عاد بحياة أجمل من سابقتها.

“هارون” لم يكن مجرد أديب شاب، بل كان مطرًا نزل على صحراء وحولها جنّة.

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.