أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : مرارة القهوة

كتابة : عبدالله السالم

تدقيق لغوي : وفاء الحربي

 

1

كان يوماً بارداً للغاية ومشمساً أيضاً، غير أن الشمس لم تكن تبعث بأي دفء لسكان بلدة “كاتانيا” الذين ملؤوا المقاهي طمعاً في مشروبات ساخنة تعوضهم الدفء المفقود.
رشف “روما” قهوته برفقة صديقه “ألفريد”، إلا أنه سرعان ما بصقها وسط حيرة شديدة من صديقه ألفريد.
– هل هي ساخنة أكثر من المعتاد؟
– لم أجد طعم مرارة القهوة يا ألفريد.
– ما الذي تعنيه بذلك؟
– ربما أضافوا لها السكر!
– لن يفعلوا ذلك أبداً فأنت لست جديداً هنا، والكل يعرف أنك لا تشرب القهوة بالسكر.
– سولار تعال هنا بسرعة، قال روما غاضباً.
– ماذا هناك يا سيد روما؟
– ألا تعلم أنني لا أشرب القهوة حُلوة؟
– بلى، نعلم ذلك.
– إذن لماذا قهوتي حلوة المذاق؟
– نعتذر منك للغاية يا سيد روما. ربما اختلط كوبك بآخر. دعني أبدله لك على حساب المحل
– تباً يا سولار يجب ألا تقدموا القهوة بالسكر أبداً فهذه إهانة للقهوة بكل تأكيد.
غادر سولار والخجل يعتريه حاملاً معه كوب القهوة، بينما عاد روما للنظر عبر زجاج المقهى حيث لمح زوجين تتراقص طيور الحب من حولهما.
– تباً ! ألا يمل الناس الوقوع في الحب كل يوم!
– ربما الحب بهذا الجمال لأنه يجسد لنا جميع ملذات الحياة في هيئة شخص واحد.
ضحك روما ساخراً:
– ملذات! ألا تعلم يا ألفريد أن الملذات تُمل وتصبح بلا طعم لذلك يجب أن نعتاد مرارة الحياة بشرب القهوة بلا سكر دائماً.
– ليس إذا تجسدت لنا الملذات في هيئة مخلوق جميل ذو شعر حريري كستنائي وعينان تأخذك بلمح البصر إلى السماء السابعة حيث الملائكة يا روما.
– هل تصف بكلامك هذا صوفيا الواقفة هناك تداعب أحصنة العربة برفقة والدتها؟
– هل لاحظتها أيضاً؟
– يا لك من أحمق يا ألفريد لقد شوهتها بوصفك هذا فمثلها لا يوصف أبداً.
وضع سولار كوب القهوة على الطاولة بحذر شديد أمام روما:
– كوب قهوتك الجديد بلا سكر سيد روما.
– إن لم يكن كوب القهوة هذا أمر من حياتي البائسة يا سولار فلن أسامحك أبداً.
– لن نسامح نحن أنفسنا يا سيد روما.
عاد ألفريد بنظره إلى صوفيا وتبعه روما في ذلك وهو يرفع كوب القهوة إلى فمه، وارتشف منها رشفة واحدة ثم بصقها على الفور، وهذه المرة وقف وألقى بالكوب على الأرض بغضب شديد صارخاً:
– سولار هل تحاول قتلي؟ أقسم إن لم تخبرني بالخطيئة التي فعلتها وحملتك على أن تفعل بي هذا سأقتلك في الحال.
– أقسم لك يا سيدي أننا لم نضف إلى قهوتك ذرة سكر واحدة.
– وكيف تعلم ذلك يا سولار؟ هل راقبتهم وهم يعدون القهوة؟
– لا يا سيدي، لقد أعددتها بنفسي.
– ما الذي تعنيه بذلك؟ هل تعني أنني أكذب؟
– لا يا سيدي.
– لن آتي إلى هذا المكان مرة أخرى، وسأخبر الجميع بما فعلتموه بي وبالقهوة المرة.
غادر روما المقهى وتبعه ألفريد حاملاً كوب قهوته معه.
وقف روما على قارعة الطريق أمام مقهى سولار ينظر إلى صوفيا والحنق يفترسه من الداخل.
– اهدأ يا روما خذ اشرب من قهوتي فما زالت ساخنة ومرة أيضاً. لقد جربتها بنفسي.
أخذ روما كوب القهوة من يد ألفريد وارتشف منها رشفة صغيرة استطعمها بلسانه قليلاً ثم بصقها على الفور.
– ألفريد إن كانت هذه إحدى دعاباتك السخيفة فلست صديقي بعد اليوم.
– أقسم لك يا روما ليست هناك دعابة من أي نوع.
أخذ ألفريد كوب القهوة من روما وتجرع منها القليل.
– روما ربما أنت من يداعبني هذه المرة فالقهوة أمر من لحظة فقدان الحبيب.
أخذ روما كوب القهوة وشرب منه مرة أخرى إلا أنه عاد وبصقها.
– ما الذي يحدث لي يا ألفريد؟ لم أعد أحس مرارة القهوة أبداً.
– اهدأ ودعنا نذهب إلى الطبيب ربما نعرف ما حدث للسانك هناك.
تحرك روما برفقة ألفريد عدة خطوات متجهين إلى الطبيب، ثم توقف فجأة وهو ينظر إلى صوفيا، كانت تداعب أحصنة عربتها وتبتسم بينما تنتظر والدتها داخل محل بيع الملابس الفاخرة.
– مهلاً يا ألفريد.
– ماذا؟
– انتظرني هنا.
بعد أن اخترقت واحدة من ابتسامات صوفيا قلبه، ووقع في حبها على الفور، اتجه إليها بخطى متقاربة ومترددة كأنها مقبلة على حبل المشنقة.
– هل أستطيع مساعدتك بشيء؟ قالت صوفيا وهي تطالعه محتارة.
– في الحقيقة نعم
– ماذا تريد يا سيد…
– روما… موتزارد روما.
– وأنا صوفيا.
– نعم أعلم ذلك. كل البلدة تعرف اسمك.
– حسناً ماذا تريد يا سيد روما؟
– أريدك أن تغادري المكان.
– لماذا؟
– حسناً…أحاول أن أستمتع بكوب القهوة برفقة صديقي ألفريد.
– وما شأني أنا في ذلك؟
– لكِ كل الشأن.
– وكيف ذلك؟
– لأنني يا صوفيا لن أستطعم مرارة القهوة طالما سأرشفها وأنا أنظر إلى عينيك.

احمرت وجنتا صوفيا فوراً ودفعت روما بعيداً عنها ثم أغلقت عليها العربة بعد أن رأت والدتها عائدة.
لم يعد روما يتذوق مرارة القهوة أبداً، إلا أنه أيضاً لم يعد يتذوق مرارة الحياة بعد أن تجسدت له جميع ملذاتها في حبيبته صوفيا.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.