أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : ملكيةُ الطيور

وقفت مشدوهة تحدّق بما حولها. أين هي من هذا العالم؟ كيف لم تعد تتعرف على جنباته؟
لقد أصبحت جاهلة تماماً به. ترى إلى أي بقعة حملتها السنين وعزلتها عنه؟
كيف تسارعت الأيام ومحت معالمَ قد خطت عليها قدماها يوماً، وكأن فيضاناً حَلَّ بها مستبدلاً إياها ببقعة أخرى تجهلها.
مضت تتفحص تلك التفاصيل، تعيد سردها في ذاكرتها الخالية إلّا من هذه العزلة.
العزلة التي فرّت إليها بعدما ضجرت من كل شيء شعرت به يقّيدها. العمل.. العائلة.. المنزل.. وحتى المستقبل..
أرادت الخلاص من تلك القيود الواهية بنظرها، فالتجأت إلى العزلة؛ باحثةً عن حياة حاكتها في رأسها دوماً: الوحدة والهدوء، وسماء وأرض وهي فقط. حتى أنه كان يغضبها مشاركة الطيور لها عالمها الجديد، فكانت تنعتها بالطمع صارخةً فيها:
لديكِ السماء الفسيحة فلمَ تنافسيني في نصيبي الضيق منها؟

إلّا أن الطيور، رغم هذا الصراخ المروع، لم ترحل!

فكان أن يئست من رحيلها، وتركتها تشاركها عزلتها، وسنوات من الصمت التام؛ دفعتها للاعتقاد بأن حبالها الصوتية قد اهترأت وسوف تتقطّع مع أول حرف يصدر عنها. ثم استيقظت يوماً من حلم أعاد إليها احساسها بالفضول، وربما الاشتياق، تجاه العالم الذي خلّفته وراءها.
كانت تجهل كيف تكوَّن حلمها، فلا شيء في محيطها الصامت الموحش من الممكن أن يغذّي حلماً بذلك الجمال المدهش، مما حملها على الاعتقاد بأنه رسالة من القدر؛ يدعوها إلى الحياة مجدداً.
حملت حقائبها.. أودعت حق ملكيتها لدى الطيور، وهرعت إليها.

 

كتابة : تعويذة

تحرير : وفاء الحربي

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.