أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : حظ عاثر

كتابة : أميرة التميمي

تدقيق لغوي : وفاء الحربي

 

1

الثانية صباحاً | الثاني عشر من ديسمبر

كانت تسير ببطء، حذِرة، وخائفة جداً حتى أنها لا تقوى على تهدئة نفسها، تُلملم شتاتها المرتعد، الهلِع مما ما رأت في ذلك الزقاق الضيق. الأرض مبتلة، وكعبها العالي لا ينفك عن زيادة توترها.

“اهدئي يا مارسي اهدئي” بلُطفٍ أخبرها صوتٌ قريب، وقفت مرعوبة ولفحت أنفاس دافئة جانب أذنها اليسرى “كُل شيءٍ، سيكون بخير”. لا تعلم روحُ من هذه، لكن قطرات المطر التي لاطفت أنفها أيقظتها من تجمدها، أنستها رعبها، وذكّرتها حبها للمطر، وكم أنها تتمنى العيش داخل إحدى قطراته، أنعشت تلك اللحظة أموراً جمة فيها، وسلبت عقلها بعيداً عما رأته قبلاً،  لكن لم تدم تلك اللحظة غير ثوانٍ عدة من وقتها المستعجل الذي أضاعته في السير، حيث عادت لنقطة البداية، الهرب من ذلك الظل، الظل الذي عاد ليلاحقها من جديد.

في كل مرةٍ مارسي المذعورة تنعطف لممرٍ أضيق من الذي قبله، تشتم غباءها، وعقلها الذي لا يساعدها على التفكير بوضوح في ظل أمور كهذه، لتصل إلى نهاية مسدودة. لعنت نفسها وأخذت تجزع بصمتٍ مطبقةً فاهها عن أي صرخةٍ تقود الظل ناحيتها، لكن خطواتها فعلت، وأصبح يقترب الظل منها، أقرب فأقرب وخطوة تليها الخطوة لا ينكف عن الاقتراب منها.

تحت رحمة اقترابه أغلقت هي عيناها راجيةً ألّا تكون هدفه التالي، فهي لا تستطيع التوقف عن تخيل نفسها مكان تلك المرأة، في ذلك الزقاق، حيث بدأ هروبها، مقتولة… بعد أن اكتفى من متعته بها، لا تستطيع نسيان وجهه الذي لا تستطيع اخراجه من عقلها، أو ابتسامته حينما نظر ناحيتها، وتراجعه للوراء بذات التعابير، يخبرها دون حاجة للكلمات “أنتِ التالية”.

قطرة، قطرتان، عشرٌ وخمسون حتى المئة وما فوقها، ليمحو المطر كل شيء، أبعده عنها، وجعلها تبكي من فرط الراحة التي شعرت بها حينها، لم تكبح نفسها مطلقاً عن البكاء، انتظرت منه الاختفاء التام حتى انهارت قدماها، خائفة، ومرعوبة، ترتجف من شدة البرد، والخوفِ الذين لم يتركا منها شيئًا.

نظرت للسماء بينما تعلو وجهها ابتسامة مرتاحة، في ذلك الزقاق الذي يتسع لها بالكاد، شكرتها جداً، وأصبحت تتأمل القمر الذي كان يشق طريقه مجاهداً عبر الغيوم المُمطرة، كأنما يحاول الوصول إليها، ظلت تتمعن به، حتى ظهر وجه غريب في مجال رؤيتها، بشعره الطويل، وبالابتسامة المرعبة ذاتها… قال لها بهستيرية جذلة، وسخرية تامة: “مرحباً، التقينا من جديد”.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.