أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : خلف الأبواب الموصدة

كتابة : رزان عبد الرحمن

 

لا أترك بابًا مفتوحًا خلفي، أوصدها دائمًا، أظن بهذا أنني أحمي نفسي من الخارج القاسي، أعزل الأصوات عني، تلك الصرخات والنداءات التي باتت تقتلني شر قتلة. أوصد الأبواب خلفي لأني أخشى المواجهة، أوصدها حتى يتسنى لي سماع فتحِ أحدهم لها، فأجفف دموعي بسرعة وأخمد آلامي ما استطعت. أكره أن يباغتني أحدهم وأنا أبكي، يسألونني دائمًا “لماذا هذا الحزن؟” فأقول بقلبٍ قد تشظى بفعل الألم “هكذا يبدو وجهي”، لكنه في الحقيقة لم يبدو كذلك إلا قبل سنينٍ خلت، عندما أحسست به أول مرة، ومنذ ذلك الحين، لم يتركني قط، بل أصبح ظلي الطويل جدًا، الذي لا يشبهني. لطالما هربت إلى الزوايا التي لا يحبها أحد، إلى الظلام الذي يكرهه الجميع لذات السبب الذي يجعلني أحبه، في الظلام لا أرى شيئًا، لا يصبح هناك معنى للأشكال ولا للألوان، حتى أنا نفسي أصبح لا شيء، أتمازج مع كل شيءٍ بخفة لا تضاهى. أشعر بالانتماء للأشياء الخربة، للتفاصيل التي لا يلقي لها أحدهم بالًا. ذات مرة، في يومٍ بعيدٍ جدًا، قبل أن أفهم معنى أن يكون المرء إنسانًا، كنا نمتلك حيوانين أليفين، أحدهما كان محبوبًا لدى جميع أفراد العائلة، أما الآخر.. لم يحبه أحدٌ سواي، كنت أهرب له عندما ينام الجميع وأبكي بجانبه، كان يؤلم قلبي الصغير حينها إدراكي بأن هذا الحيوان المسكين يشعر بالوحدة، ذات يوم هرب من قفصه وذهبنا نبحث عنه جميعًا، وضعت طعامًا في أروقة المنزل لعله يخرج من مخبأه، انتظرت أيامًا ودعوت الله أن يرده سالمًا لي، وجدناه لاحقًا، إلا أنه كان قد فات الآوان حينها، بكيت ليلتها بكاءً طويلًا وحدي.. في الظلام، وخلفي بابٌ موصد. اتساءل دائمًا في نفسي لمَ هرب؟ هل لأنه شعر بالوحدة؟ هل لأنه شعر بالانتماء؟ هل هرب آملًا أن يجد مكانًا يحتضنه؟ ألم يكن يكفيه رفيقه في القفص؟ الطعام الذي أمامه؟ هل من الممكن أن يتخلى أحدهم عن حياته فقط لأنه لم يشعر بأنه ينتمي؟ أن لا أحد يحبه؟ لماذا لم يكتفي بحبي؟ سحقًا، نسيت أن اوصد الباب، تباغتني أمي قائلة “هيا، العشاء جاهز” طبعًا لم تلاحظ دموعي المنهمرة، إذ أنني في الظلام، في زاويةٍ بعيدة، أبكي قسوة الإنسان.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.