أدبمتفرقاتمقالات أدبية

من سرق دماغ أينشتاين؟

كتابة : Simon Murray, MD

ترجمة : مجيد الألمعي

تحرير : وفاء الحربي

 

“ليس كل ما يُحصى يهم…. وليس كل ما يهم يمكن إحصاؤه”

                آلبرت آينشتاين

 

 

الجواب للسؤال من سرق دماغ آينشتاين ليس بسيطاً، إنه يعتمد على من يجيبه ومتى، ولا أحد يستطيع ذلك.

طبقاً لأبحاث مكثفة من الطبيب فريدريك ليبور، وهو بروفيسور في الأعصاب في جامعة نيو جيرسي للطب، فإن الأسئلة الأخلاقية عن كيفية الاهتمام بالأعضاء الحيوية قد تطورت كثيراً مع الوقت.

في الثامن عشر من أبريل عام 1955 الدكتور توماس هارفي، أخصائي علم الأمراض المتخرج من جامعة ييل، كان بحذر يخرج دماغ وعيني آلبرت آينشتاين، وبعد ساعات أُحرق جسد أشهر فيزيائي في التاريخ. الأعضاء التي تم استخراجها من قبل الدكتور هارفي لم يتم حرقها مع الجسد، كما سيكتشف لاحقاً بأن الدكتور هارفي هو من يمتلك الدماغ بينما الأعين كانت من نصيب طبيب العيون الخاص بآينشتاين، ولم يتم استرجاعها أبداً.

على الرغم من أن الاتجار بأعضاء البشر محرمدولياً، إلا أن ما قام به الدكتور هارفي كان أقل سوءاً في ذلك الوقت مما هو عليه الآن. الذي حدث في العقود الخمسة التالية تمت مناقشته بكثافة إلا أن الكثير من التفاصيل كانت غير صحيحة أو غير واضحة حتى كتب الطبيب فريدريك ليبور كتابه ” العثور على دماغ أينشتاين”.

قبل خمس سنوات أمسكت بيدي الاثنتين جرة مليئة بسائل حفظ الأعضاء، ويوجد بداخله بضع أجزاء من الأنسجة التي توجد داخل الدماغ. الجرة كانت موجودة على مكتب الدكتور إليوت كروس في مختبر كلية الطب بجامعة برينستون. أخبرني الدكتور كروس أن الأنسجة الموجودة استخرجت من دماغ آينشتاين عقب وفاته.

خلال ستة وسبعين عاماً من حياته، آينشتاين لم يكن يحب الذهاب إلى الأطباء، ولكن الظروف أجبرته حينما ذهب إلى إحدى المختبرات الطبية لإجراء الفحوصات الطبية بسبب ألم حاد في بطنه. حينها اكتشف الأطباء أن لديه نزيف داخلي حاد نتيجة تمدد الأوعية الدموية في الأبهر البطني. لم يكن هناك الكثير من الخيارات أمام الطبيب سوى لف الأوعية لمنعها من التسريب تماماً مثلما يفعل السباك مع أنبوب ليمنعه من التسريب.

وقد نجح الأمر للخمس سنوات التالية، وفي الثالث عشر من أبريل عام 1955 بدأت الأوعية الدموية بالتسريب مجدداً، عندها أخبره الطبيب بالتمزق الحاصل ووجوب التصرف على عجالة ولكن آينشتاين رفض أن يتم معالجته طالما أنه لا يوجد حل دائم للمشكلة، وبعدها بخمسة أيام توفي.

 

ولأن آينشتاين يهتم بالخصوصية كثيراً، فقد طلب أن يحرق جسده بعد وفاته وينشر رفاته في موقع خاص لا يتم الكشف عنه، ولا يوجد أي دليل قاطع على أن آينشتاين أراد أن يستعمل دماغه لأغراض طبية، بالرغم من أن هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن آينشتاين كان مهتم قليلاً بالفكرة. وعلى الرغم من أنه لم يتم أخذ إذن من ابنه، فقد تمت عملية استخراج الدماغ وحفظه قبل حرقه مع بقية جسده.

عندما علمت عائلة آينشتاين بالأمر غضبوا، ولكن في النهاية اقتنعوا وأعطوا موافقتهم للدكتور هارفي بأن يكمل الأبحاث الطبية على دماغ آينشتاين.

كانت نية الدكتور هارفي بأن يجمع مجموعة مميزة من أطباء الاعصاب لدراسة الدماغ، ومن ثم كتابة بحث على النتائج، إلّا أنه إلى انتظار يومين حتى يتصلب الدماغ في سائل الحفظ، وقد حُفظ الدماغ على درجة حرارة الغرفة والتي للأسف جعلت من المستحيل إخراج الحمض النووي من الدماغ، والذي كان في ذلك الوقت علماً عمره سنتين فقط.

طبقاً لتدريبه، هارفي اعتقد بأن الإجابة في كيفية فهم الدماغ هي التحليل التاريخي لخلايا الدماغ، لذلك أخذ العديد من الصور والرسوم البيانية للدماغ، وبعد ذلك قام بتقسيم قشرة الدماغ إلى 21 قسم، التي قسمت بدورها إلى 240 كتلة ثم قطعت إلى شرائح ميكروسكوبية في جامعة بنسلفانيا.

كان علم الأعصاب آنذاك علم خام، على الرغم من أن الأعصاب كانت معروفة بأنها الحجر الأساسي للجهاز العصبي في ذلك الوقت، ولكن لم يكن معروفاً إذا كانت جميع الأعصاب متصلة أو أنها ترسل إشارات.

مختبر علم الأمراض في جامعة بنسلفانيا كان واحداً من الأماكن القليلة التي تملك تقنية قطع أجزاء دقيقة من الدماغ.

ربما كان أكبر خطأ ارتكبه هارفي هو أنه شرّح الدماغ وقطّعه قبل أن يدرسه دراسة شاملة، وقد أدرك متأخراً أن الدماغ المفصول عن الأعصاب المعقدة هو بلا فائدة تماماً مثل الهاتف المفصول من جميع الأسلاك.

بحلول نهاية عام 1955 أصبح لدى الدكتور هارفي المئات من الشرائح الميكروسكوبية وأجزاء من الدماغ لا زالت غير مشرحة في الجرة والعشرات من الصور والرسومات للدماغ. بعد ذلك بدأ يطالب العديد من العلماء البارزين بمراجعة أعماله والمواد التي يملكها، لكن للأسف كان هناك سمعة سيئة بدأت تنمو في الأوساط العلمية والغير علمية عن طريقة تعامله مع الدماغ، وعدم حصوله على أي معلومات مؤكدة بعد، وقد طُرد بعدها من وظيفته في مستشفى برينستون، ربما بسبب هذه السمعة أو بعض الأقاويل عن حياته الخاصة.

 

بعد خسارته لوظيفته خزّن الدكتور هارفي الدماغ في الدور السفلي لمنزله، حتى هددت زوجته بالتخلص منه. عندها انتقل إلى وتشيتا حيث كان يشغل وظيفة مشرف في معمل للأبحاث البيولوجية، وفي ذلك الوقت كان الدماغ مخزناً في جرة مبردة في ثلاجة لتبريد الجعة. وخلال السنين التي تلت، حدثت خلالها الكثير من القضايا في الطب وقضية طلاق، كان الدكتور يرسل بعض الأجزاء الى العلماء لإجراء بعض الأبحاث عليها.

وخلال خمس دراسات نشرت عن العينات لم يثبت أبداً وجود أي شيء مذهل في دماغ آينشتاين.

في دراسة واحدة ظهرت عام 1999 وكان من ضمن الدراسة بعض اللقطات بالأسود والأبيض للدماغ وُجد شيء غير طبيعي في الفصوص الداخلية للدماغ، حيث أنها كانت أكبر من المعدل الطبيعي ب 15% وهذه المناطق مرتبطة مع القدرة في الرياضيات، والتي كانت في الحقيقة ليست من نقاط القوة لدى آينشتاين.

مجموع الدراسات كلها كان غير حاسماً، ولم ينشر الدكتور هارفي أي دراسات طبية عن وجود أي ارتباط. مات هارفي في عام 2007 وقد كان يبلغ من العمر 94 عام في نفس المستشفى الذي أدى فيه تشريح آينشتاين وسرق حينها الدماغ.

في الكتاب الذي كتبه الطبيب فريدريك ليبور أوضح بقوة دفاعه عن طريقة تعامل الدكتور هارفي مع الدماغ، طبقاً لما كان معروفاً في عام 1955.

دراسة أدمغة العباقرة لم تكن موثقة بشكل جيد لأنه لم يُجرى الكثير منها. دماغ والت وايتمان كان محفوظاً ليُدرس ولكن أحد المساعدين في المعمل أوقع الجرة التي تحفظه فانكسرت وتحطم الدماغ، وعلى الجانب الآخر تمت دراسة دماغ فلاديمير لينين وبعض الشخصيات المعتبرة الأخرى. .
في عام 200 بدأ اهتمام الطبيب فريدريك ليبور بشكل معمق ولكن كانت لديه عيادة وأيضاً مسؤولية التدريس، فبدأ بحثاً ممنهجاً حول علم الدماغ، والذي قاده بمساعدة دين فالك إلى كتابة واحد من أهم الدراسات عن الدماغ والتي نشرت في عام 2012.

.

فحص الطبيب ليبور صور وأجزاء ميكروسكوبية، ووصل إلى خلاصة مفادها أن دماغ آلبرت آينشتاين كان بالفعل مختلفاً عن أي دماغ طبيعي، القشرة الأمامية من الدماغ كانت متطورة جداً، مما يمكن ربطه مع قدرات آينشتاين الغير عادية.

مثل هذه الأسئلة الصعبة لا زالت تراود المجتمع العلمي. هل هنالك علاقة بين أشكال أعضاء الإنسان والعبقرية؟ ماذا عن الروح؟ ماذا عن الفطنة والدهاء؟ وهل جينات الشخص تحدد موعد وفاته؟ لا يزال هذا القرن في بدايته والدروس المستفادة من أيام آينشتاين يمكن أن تؤهلنا لاكتشاف المزيد من الأشياء المذهلة والمهمة.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.