أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة: قبو رايموند

كتابة: عبد العزيز الريسي

 

لقد هجر والِدهُ المنزل، وبقيَ بِرِفقة شقيقهِ الأصغر، جيسي، ووالِدته الّتي كانت تخشاه، بعد رحيل والدهِ بالتّحديد. دائمًا ما كان يرمِقُ والِدتهِ بِنظرةٍ قاسية، وبرغم صُغر عمره، لقد كان لِرايموند لِحيةٌ كثيفة سوداء، وشارِبٌ يُغطّي شفِّتهُ العُليا، وعِندما يتحدّث تلتمِعُ أسنانهُ الّتي يُصعبُ على المرءِ أن يلحظ وجودِها، وكانَ لديه شعرٌ ناعِمٌ طويلٌ يُغطّي رقبته، وأظافِرٌ لا يُقلِّمها، بل ولا حتى يُنظِّفها على أقلِّ تقدير. لم يكُن كثيرَ الكلام، يقضي أغلبُ وقتهُ في القبو، يستمني على صور الفتيات في المجلّاتٍ الجِنسيّة الّتي نسِيها والِده في القبو، ويُدخِّنَ السّجائر. في أحدِ أيّامِ الأُسبوع، كان رايموند يتناول شطيرةَ تُفّاح، ويحتسي نبيذًا مُخفّفًا بِرُبعِ كوبِ ماء. دخلت الوالِدةُ المنزِل بعد يومٍ شاقٍّ في العمل، ورغم خوفِها منه، وجّهت لهُ إهاناتٍ عديدة كونهُ لا يعمل، لا يدرس، ويقضي طوال يومهِ في المنزِل، وكالعادة، رمقها بتلك النّظرةِ القاسيةِ المُريبة وقال بنبرةٍ هادِئة: “يومٌ شاقٌّ في العمل؟” ردّت بصوتٍ يكادُ يسمعهُ المارّه: “ما الّذي سوف تفعلهُ في حياتِك؟ قُل لي أيُّها البائس؟ ماذا تُريدُ أن تفعل؟ مِن المُستحيل أن أراك تفعل شيئًا مُفيدًا، من المُستحيلِ أن تجِد أحدًا ما يُحِبُّك، فأنت بائِس، ليتني لم أنجِبك. “لقد أعددتُ شطيرة تُفّاح، فهذا شيءٌ مُفيد، ألا تُريدين؟” قال بِهدوء. “فلتذهب لِلجحيم.” توقّف رايموند عن الأكل، وبدأ ينظرُ لِوالِدته ووقف فجأة، لقد كان ضخمًا وطويل، وبدأ يمشي اتِجاه والدتهِ الّتي استولى عليها الرّعب والذُّعر، والّتي ارتعدت ساقيها. كان يمشي بِبُطء، لم يتحدّث قط، ولم تتمكّن الوالدة من الحديث، بل وحتّى أنّها لم تتمكن من إخراجِ أيّ حرف، كما لو أنها طفلٌ رضيع. توقّف رايموند عِندما ألصق قدمه اليُمنى بقدمها اليُسرى، ووضع يديه على كتفيها، وبدأت أعيُن الأُم تلمع، وكأن الدموع سوف تخرِجُ في أيّ لحظة. “لِم لا أرسِلُكِ للجحيم أولًا؟” قال رايموند. صرخت، صرخت الأُم وسقطت على الأرض، وبدأ رايموند يجرُّها نحو القبو بينما ينعتها بالعاهِرة. كان الموت يرقِصُ فرِحًا حولها، وكان رايموند هادئًا ولم يُظهِر أيّة مشاعِر، وكانت الأمُّ تودّ أن تختفي، أن تكونَ حشرةً تندسُّ في إحدى فتحاتِ الجِدار. صوت جمجمةٍ تتحطّم في القبو، توقّفت صرخات الوالدة، فقط صوت جمجمتها تتحطّم. لم يغتسِل رايموند، بل رجِع لطاولة الطّعام، وأكمل شطيرتهُ الّتي بردت. لم يتحرّك رايموند، جلس هُناك مُنتظِرًا أخاهُ جيسي، الّذي يعملُ في شُبّاكِ تذاكر السينما. عِندما دخل جيسي ووجد رايموند يحتسيَ النّبيذُ والدِّماءُ تملئُ وجهه ويديهِ قال بِخوفٍ شديد: “ما… ما الّذي حدث!” “تعال، سأُريكَ ما حدث.” راح نحو القبو وكان جيسي وراءهُ يمشي بحذر. لقد كانت الوالِدةَ عاريةُ تمامًا، لم تكُن هُنالِك ملامِحٌ على وجهها، وكانت هُناك سكّينٌ مغروسة بنهدها الأيسر، وكان شعرها مُنتّف. لم يعطِ رايموند أخاه فُرصةٌ للحديث، أو حتّى لِلهرب، وجرّهُ وفعل به ما فعلهُ بوالدته، وقطع قضيبه. عاد رايموند مرةً أُخرى لطاولة الطّعام، ولكن هذه المرة أخذ الهاتِف، واتّصل بِشُرطة المدينة، وسلّم نفسه. “كيف كانت عِلاقتك بِوالِدتك؟” قال المُحقِّق ردّ رايموند بِهدوءه المُعتاد: “لقد كانت والِدتي مريضة ومليئةً بِالغضب، لقد كانت حزينةً جدًا، طوال الوقت. أردتُ أن أُحِبُّها، ولكن زواجها الفاشِل، علاقاتها مع الرِّجال، علاقاتها الفاشلة مع الجيران. لم أتمكّن، لقد كرهتها بِشدّة.” “وماذا عن جيسي؟” “لم أرِد رؤيتهُ يبكي، لم أتمكّن من ذلك” “حسنًا يا راي، أيمكنني أن أنعتُك براي؟” “نعم” “حسنًا يا راي، ماذا عن حياتِكَ أنت؟ “لم تكُن حياتي بائسة، ولكنّني لم أتمكّن من الخروج، التحدُّث مع النّاس، لقد كان شيئًا صعبًا بالنِّسبةِ لي. لذلك، بقيتُ في المنزل، وأرسلتُ والدتي للجحيم.” “هل كُنت خائفًا عِندما ارتكبت الجريمة؟” “كلّا، لم أكُن خائفًا. لقد كان الأمرُ أشبه بفيلمٍ كوميديّ، قتلتُ والدتي وأكملت طعامي، وقتلتُ أخي واتصلتُ برجال الشُرطة بينما أشربُ النّبيذ. لقد كان الأمرُ أشبه بشيءٍ عاديّ” بعد حديث مطوّل مع المُحقِّق، تم إرسال رايموند إلى السِّجن. ما بهر المُحقِّق هو هدوء رايموند، فقد كان، كما يقول، هادئًا حتى اثناء ارتكابه للجريمةِ وبعدها. حُكِم على رايموند يالسِّجن المؤبّد، وإلى يومنا هذا، لا يزالُ هادئًا لا يُفكِّر بما فعله، ولا يشعر بأي شيء اتجاه ما حدث، وبحسبِ حديث مُدير السجن مع المُحقق المسؤول عن القضية، رايموند يُعتبر سجينًا مثاليّ بالرغم من بشاعة جريمته.

About Author

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.