أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : الأمل المغلف

كتابة : هيفاء الحربي

تدقيق لغوي : وفاء الحربي

 

1

كنتُ وجدتي نجلس في ذات المكان الذي أجالس فيه أختي اليوم، أحدّثها عن الكتب وتحدّثني عن مشكلات الحياة. أبكي بطل روايتي المفضلة الذي راح في التيه، وتبكي عنزاتها التي باعها خالي بثمنٍ بخس. كانت جدتي ترى سخافة مشكلاتي وهمومي التي تتمحور حول الأبطال الخياليين في الكتب، بينما همومها هي كبيرة ومشكلاتها عميقة؛ لا حلّ لها إلا الانغماس فيها أو تركها للزمن أو للموت، وتراني فتاة مدللة باختصار، لا شيء سيخرجني من هذا العالم الخيالي إلى الحياة الواقعية سوى المصائب والمشكلات التي ستوقظني من غفلتي، فأقول لها هل تتمني لي المصائب ؟

تنظر إليّ بوجه يخفي ضحكةً وتقول: ماذا تعتقدين أنتِ؟
أفكر.. كم هو غبي سؤالي! إن جدتي لا يمكن أن تتمنى لي إلّا كل خير.

نغادر  المكان، نفترق اليوم، لنلتقي بعد يوم.. أسبوع ..وأحيانًا أشهر. على كل حال جدتي لم تعد في نشاطها السابق، أحياناً تتحدث وأشعر أنني لا أفهم ما تقول. تأخذها الذكريات كثيراً إلى الماضي البعيد حتى لتشعر أنه ماضٍ لم تعشهُ هي نفسها وإنما كان حلماً أو أملًا كانت تمتلكه. تختفي تلك النظرة وتلك الابتسامة المكتومة حينما أبدأ سؤالها أسئلة بلا تفكير عميق برأيها، وبغباء مني برأيي أنا.

عادت بي الذكريات اليوم حول جلساتنا أنا وجدتي، وقصصنا، وأحاديثنا وأنا أجلس في نفس المكان الذي طالما تبادلنا فيه الأحاديث عن الذكريات، وأرى على وجه أختي لمحات وهي تحمل ذات الكتاب الذي حملته معي يوماً لجدتي وتحدثت لها عنه بحماس، أتفحص طريقتها في الحديث فأرى روحي القديمة وكأنها عادت للحياة وسذاجة مشكلاتي في تلك الأيام، وكم كانت صادقة معي في تلك الأيام التي قل أن نجد فيها من يصدُق معنا بالكلمات.. فنظرتنا للحياة كانت حالمة وساذجة آنذاك.

أحببت أن أتقمص  دور  جدتي لعلّي أخذ من حكمتها تلك، فنظرتُ إلى أختي  وكأنها أنا في تلك الأيام. بدأت تتحدث معي  كأن أحدهم بعث لها ذات المشهد الذي كان في  ذكرياتي. تحدثني بحماس عن ذلك الكتاب الذي يبعث في روحها الأمل بالحياة وبينما هي تتحدث تذكرتُ حكمةً قالتها لي جدتي، فقلتها بدوري لأختي وبذات الأسلوب: كذاب يا ابنتي ذاك الذي يبيع الأمل على ناصية الطريق زاعماً أنه يمنحنا سر الحياة.

 

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.