أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : الرجل الذي أضاع وجهه

كتابة : هديل سمان

تدقيق لغوي : وفاء الحربي

 

1

لا يجيد شيئا في حياته كارتداء الأقنعة.

يتلبس في كل موقف الوجه الذي يقتضيه منه الموقف، فتارة تجده حزيناً وتارة أخرى متفاجئاً أو متعجباً، إلّا أن أكثر قناع كان يجيد ارتدائه هو قناع السعادة. حتى أنه إذا تقمص حالة الفرح الواهية لا يستطيع من يراه إلا أن يقر بسعادته، ويسر لرؤية لمعان السعادة في عينيه. نعم إلى هذا الحد وأكثر كانت تلك الابتسامة المتقنة التي ترتسم على شفتيه قادرة على إقناع أكبر المشككين في هذه الدنيا بسعادته وطمأنينة قلبه.

لم تكن ذاته الحقيقية تظهر إلا في الليل عندما يختلي بنفسه. يقف أمام المرآة ويبدأ عندها ببطء نزع القناع الذي ارتداه طوال النهار عن وجهه. ذات المرآة تعكس أمامه كل الأقنعة التي بإمكانه ارتدائها ليختار منها ما أراد مجدداً، لكنه يفضل البقاء بدون أقنعة. إنه الليل وبإمكانه أن يظهر ذاته. إنه الظلام حيث تتماهى كل الحقائق وتنعكس الظلمة على الأشياء فلا يستطيع أحد أن يتبينها. وفي كل ليلة بعد أن ينزع قناعه يتلمس وجهه باستغراب كأنه ما عاد ينتمي له. وجهه الذي أعادت الظلال رسم تفاصيله وشقت الأوجاع إليه طريقها، ووضعت كل تلك السنين الثقال بصمتها عليه. وجهه الذي ما عاد يميزه مع كل تلك الأقنعة التي يجيد ارتدائها. وجهه الذي ضاع منه تحت ثقل كل تلك المشاعر الكاذبة التي يدعيها.

 

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.