أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : الحنين

 

كتابة : عبدالعزيز الريسي

تحرير : وفاء الحربي

 

أحداث القصة ليست من نسج الخيال، إنما من وقائِع حقيقية عاشها الكاتب على فتراتٍ متقطعة من حياته. تم تغيير أسماء الشخصيات حفاظًا على الخصوصية.

الكاتب.

 

1

‏”الحنين”

‏”لم يكن في نيّتي المجيء إلى هذا المكان لولا احساسي، فجأةً، بالحنين”. هذا ما قلتهُ لصديقي فيْصل عِند دخولنا مزرعة جدّي، التي ماتت الكثير من أشجارها بعد وفاته رحمه الله.

 هنا كانت أشجار الليمون صديقة له، الورود الحمراء فتياته المدللات، والنخيل إخوته المقرّبون، لذلك لم يكن يحتمل العيش بعيداً عن مزرعته. وبعد رحيله، ذوى الورد، ومات شجر الليمون، ولوقتٍ ليس بالكثير قاوم النخيل كآبة الفقد قبل أن يتبع أصحابه.

2

“المنزل المسكون”

‏منزل جدي، الذي كان يسكنهُ جدي وجدتي، والدي ووالدتي، أخي سعيد، جمال، وأُختي رُقيّة. عند ذهابي لفتح بابه المغلق بإحكام، أدرتُ ظهري هاتفاً بصديقيّ فيصل ومحمد:
‏- ألن تأتوا ؟
‏أجاب فيصل بنبرةِ خوف:
‏- إن هذا المنزل يخيفني، يبدو مسكوناً.
‏ضحِكت، وأكملت محاولتي فتح الباب، حتى نجحتُ في ذلك خلال دقيقتين.

في الداخل واجهتني قطع خشب مرمية، كتب مُمزقة، بقايا طعام مرّ عليها زمنٌ ليس بالقصير، وفي الغُرف، تساقطت طيور ميتة، قطع زجاج مكسورة، وروائِح غريبة. وما زاد من غرابة المكان جثة قِط مستلقٍ على سرير، عظام أرجلهُ بارِزة، والحشراتُ قد شقّت ممراتٍ في جسده بعدما اخترقت جلده، و الوضعية التي هو عليها توحي بأنه كان مجرد مخلوق نائم باغته الموت فجأة.

كانت أمنيتي طيلة حياتي أن أشهد عودة الحياة لهذا المنزل العزيز عليّ، فأنا منذ عرفته وهو على هذه الحال، جدرانه تشققت ونوافذه مفتوحة على الدوام، مهجور موحش، لا صوت فيه إلّا لذكرى من عمروه يوماً، وكأنما الحيوانات تقصده لتلتحق بهم فحسب. ‏

 

3

“المجلس”

‏قبل خروجنا من المنزل اتجهت نحو “المجلس” لأمنحه نظرة أخيرة، ولم تفاجئني هذه المرة رؤية عصفورين ميتين على أرضيته. ما فاجئني هو صوت، بدا كصوتِ جدي، انبعث يحدثني، كان نفس الصوت الذي سمعته هنا في ذات المكان قبل قُرابة العشرِ سنوات، صوت جدي غذ يُحتضر أمامي، وأخي يحاول إبعادي عن المنظر المؤلم، ولكني كنت قد رأيتُ كل شيء، رأيتُ جدي يجاهد ليُخرج لنا كلماته الأخيرة، وبدلاً من ذلك يتقيأ، رأيته يُحاول عبثاً الجلوس فيسقطُ. ربما مرّ كل شيء سريعاً وقتها، ولكنني عشتُ كُل لحظة، كل دقيقة وكل ثانية منه.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.