أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : جثة هامدة

كتابة : نيزك

تدقيق لغوي : وفاء الحربي

 

اقتلع الأشجار والنخيل ذلك اليوم العاصف بشدة .

كان الجو في غاية الصفاء قُبيل حلول الظلام، عندما اتجهت “ماربل” إلى ضِفة النهر المجاورة لِمنزِلها بِصحبة نعجتُها الصغيرة “وحيدة”، محدقة في ذلك الجرم السماوي الهائل وكيف يعلن نهايةِ ذلك اليوم .

بُرهة من الزمن انقلب الجو بسرعة غير متوقعة، عاصفة شديدة داهمت المكان. تطاير كُل شيء.. حبوب وثمار، وتجردت الأشجار من أوراقها. خرجت المواشي من سُباتها، وأخذت الريح تدمر كل ما تمر به؛ تدقّ أبواب المنازل بقوة عارمة. تعالى صراخ الأطفال والخوف سيطر على الأرجاء . وعلى الضفة بقيت “ماربل” مع نعجتها، قررت الاحتماء
من العاصفة في كهف صغير, وبينما تتسارع خطواتها إليه انزلقت نعجتها وسقطت في النهر.
تملّك القلق قلب أم ماربل، فخرجت للبحث عنها تاركة صغيرها بيد جدته التي عشعش الزمن في وجهها المُتهالك، كانت بالكاد تستطيع إدخال الخيط في الإبرة.
” ماربل” في خوفِ وبكاء شديدين، لحقت مُسرعة بنعجتها حتى تشبثت بِجذعُ شجرة متآكلة في منتصف النهر، وشعرها يتطاير حول عينها فلم تِعد تستطيع رؤية وحيدتها.
تصرخ الأم: ماربل صغيرتي، ماربل!!
لكن كان صوتُ العاصفة أقوى من أي صوت آخر. تركض الأم بالاتجاه الآخر، تفقد حذائِها، يجرح الصخر قدميها. ألم، خوف، وصراخ.. تدسُ وجهها في كفيّها برهة ، وبرهة ترفعه إلى السماء، إنه يوم أشبه بالموت لم يعرفوا مثله قط !
الصغير في بكاء لا ينتهي، والجدة تحاول تهدئته. لوّث الغُبار طعامهُ وأوجع الجوع معدتهِ وأخيراً غفا الصغير.
الأم عندما وجدت صغيرتها : الحمد لله أنتِ هنا ! انتزع الخوف قلبي.

تمد إليها الغصن المتآكل. تتشبث ماربل به، ثم تغوصُ في حضن أمها ونواحها يسود المكان.
ماربل: أمي لقد فقدت وحيدتي. لا أرى لها أثر..
الأم: حبيبتي ستنتهي عتمةُ الليل ونعود صباحاً للبحث عنها. أخوكِ حطمه الجوع هيا ماربل.
رفضت ماربل المغادرة بدون نعجتها.
الأم: لقد خُلع باب المنزل، فقدنا المواشي والطعام، جُرحت قدماي، الريح انتزعت قلوبنا، والصغير مع الجدة التي لا تقوى على حمل نفسها حتى تحمله، وأنت هنا تعاندين!

تمسك الأم ذراع ماربل بشدة وتعيدها للمنزل. الجدة والصغير في سُبات. تعانق الأم العائلة وكأن قلبِها فُتِحت أبوابه وأصبح مغارة صغيرة تُخبِئهُم فيها، وغفا الجميع في ذلك الحُضن الدافئ.

عينا الأم تراقب المكان. فلم تهدأ العاصفة الهوجاء طوال الليل. الأشجار يرتطم وجِهها بالأرض تارة وتهوي جُثة هامدة تارة أخرى.
أخيراً؛ انسلخت الظلمة، هدأت الأرجاء ، لم يتبق إلا الشظايا،
بدأت الدنيا بالإشراق، استقيظ الجميع في حزن بعد كل ذلك الدمار.
تفتح ماربل عيناها مسرعة إلى النهر.. لا أثر، وكأن العاصفة خطفت منها قلبِها، ورحلت.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.