أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : على حافة الجسر

كتابة : مجيد الألمعي

تدقيق لغوي : وفاء الحربي

 

1

يخرج من شقته المتواضعة دون حتى أن يقفل الباب. يتحرك كما لو كان على وشك الموت، لو رآه أحد لظن، من النظرة التي تبدو على محيّاه، أنه يحتضر.

في هذا الوقت المتأخر من الليل الجميع يغط في نوم عميق استعداداً لصباح يستيقظون فيه بكل نشاط وحيوية ويذهبون بأبنائهم الى المدرسة ثم إلى أعمالهم لكي يساهموا في دفع عجلة التنمية، أو هكذا يقال لهم.
لماذا إذن يخرج يونس في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ يخرج ليتجه الى سيارته القديمة، لا يفكر حتى بالنظر إلىى جانبي الطريق للتأكد من خلوّه من السيارات، يفتح باب سيارته الذي لا يوصد أبداً، لأنه لا أحد يفكر في سرقة سيارة قديمة بالكاد تسير. بعد عدة محاولات أخيراً يعمل محرك الخردة القديمة، ولا ينتظر لكي يدور الوقود و يسخن محرك السيارة في هذه الليلة القارصة فيتحرك على عجل متجهاً إلى وجهته.

يصل إلى منتصف الجسر الفارغ من السيارات ومن أي كائن حي. يترجل من سيارته تاركاً الباب والمحرك المزعج دون إغلاق. يصعد على حافة الجسر وبالكاد يقف على الحافة. ينظر يميناً ويساراً ولا يرى أحد. يرتعش قليلاً من البرودة؛ كيف لم يشعر بالبرد من قبل؟ ربما لأنه كان مصمماً على فعل هذا الشيء والآن اعتراه التردد. ينظر إلى الأسفل حيث البحر المظلم يبدو متجمداً، ثم يختلس نظرة إلى الشارع وكأنه ينتظر أحداً يوقفه أو حتى يراه قبل انضمامه إلى الأسماك في الأسفل. انتظر عشر دقائق ولم يأتيِ أحد! هل كان ينتظر أحدهم أم كان يستجمع قواه لكي ينهي حياته؟ بدأ يراجع الأسباب التي أدت به إلى هذه اللحظة، هل حقاً يستحق هذه النهاية الشنيعة؟!

تقطع أفكاره سيارة قادمة من بعيد، ينتظرها لتقترب، لحظة!
يلتفت إلى اليمين مصدوماً؛ هل يعقل أنه استلم رسالتي وجاء لكي يوقفني؟
ربما لا يزال هنالك أمل!
ربما لديه شيء يقوله يثنيني عن انهاء حياتي!
تتوقف السيارة وبسرعة يخرج منها رجل يهرع، دون إغلاق سيارته، إلى حافة الجسر.
-توقف!! يصرخ عليه يونس.
-حسناً حسناً لكن أرجوك استمع لي!!
-لا شيء تقوله سوف يثنيني عن ذلك.
-أرجوك يونس لديك الكثير لتعيش من أجله. هل فكرت فيما سيحلّ بنا لو فعلت ذلك؟ هل فكرت بأحبابك؟
-عن أي أحباب تتحدث؟
-أنا، أبنائي، والدي…
-ليس لديّ أب. لقد تخلى عن الأبوة منذ زمن بعيد.
-ماذا عن أبنائي؟ إنهم يحبون عمهم كثيراً.
توقف يونس لحظة، بدا وكأنه سيغير رأيه.
-ماذا سأقول لهم عن مصيرك عندما يسألون أين اختفى عمهم الوحيد؟
– تستطيع الكذب كما كذبت عليهم بشأن جدتهم وعمهم الآخر.
– لا أريد الكذب! لقد تعبت من الأكاذيب!! صدقني لديك الكثير لتعيش من أجله!
– ماذا لدي؟ أنا غارق في الكثير من الديون. بدون وظيفة ولا حتى شهادة ! لو أن “والدنا” كان بجانبي لما ارتكبت الكثير من الأخطاء، لكن كل ما يهتم به هو خطيبته الجديدة و حبوب مسكنة تجعله يذهب إلى السرير كل ليلة.
– سأساعدك، لدي الكثير من الأموال، أنا أعلم أنني رفضت مساعدتك سابقاً لكن أنت أخي الصغير وأنا أحبك.

 

2

يقف يونس محدقاً خلفه نحو الجسر الخالي، هذا ما كان يريد أن يسمعه من أخيه الأكبر، لكي يثنيه عن اللحاق بأمه وأخوه اللذين رحلا قبل أن يراهما، إلا أنه لم يأتِ بالرغم من أنه أرسل له رسالة انتحاره.
ينظر يونس للمرة الأخيرة إلى العالم القاسي ثم يقفز. لأول مرة يشعر بالسلام الداخلي. لأول مرة يشعر بالأمان والحرية معاً.
لكن هذا الشعور لم يدم طويلاً، لأنه ما إن ارتطم جسده بالماء حتى اختفى كل هذا الشعور وحلّ مكانه ألم شديد في جسده.. لم يعد يشعر بشيء سوى الألم.

بدأت الشكوك تساوره لماذا فعلت ذلك؟
هل سأنهي حياتي فقط من أجل بعض الديون وعائلة غير مهتمة؟!
لا زال هنالك الكثير من الحياة لم أختبره بعد!
لمَ لا أسافر؟
أبتعد عن كل شيء هنا.
يا إلهي!!
ليس لدي حتى جواز سفر!!
سأهاجر، سأبدأ حياة أخرى في بلد أخرى أو حتى قارة أخرى.
كل هذه الأفكار حدثت في أجزاء من الثانية، ودفعته لأن يستجمع كل قواه الداخلية محاولاً أن يدفع نفسه للأعلى نحو النور.
هذا اختبار الآن؛ هل رغبته بالحياة أكبر من رغبته بالموت أم العكس.
إذا كان كذلك فسينجو، ولن يفكر بالانتحار بعد ذلك أبداً.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.