أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : لو كنت ساعة

كتابة : Josephine

تحرير : وفاء الحربي

 

1
ذات ليلة شتوية هادئة كانت ملتحفة حول بقايا جمر مشتعل. جلّ ما تسمعه هو صوت حسيس الجمر و أزيز سيارات تمرّ مُسرِعة كأنما تحاول الهرب من وباء.
لا أعلم لماذا يتسم الشتاء بالهدوء، هل هي الحياة تحاول التقاط أنفاسها فيه؟ أم هو يحاول منحنا فرصة لتهدئة عواصفنا الداخلية؟
غير أن كل ذلك الهدوء لم يكن كافياً بالنسبة لها، معركة داخلية طاحنة كانت تجري!
وبعد ليالٍ وأيام من محاولتها مقاومة هذه العواصف قررت أخيراً الاستسلام للحظة. مسدلة شعرها الأسود الذي يخبئ في طيّاته بضع شعيرات بيضاء أنبتتها المعاناة؛ استلقت على ظهرها بسكينة تامّة، وبصرها معلق بالساعة المعلقة قبالتها، و كأنها تشاهدها لأول مرة. شعور بالدهشة تملّكها؛ كيف تمضي الدقائق هكذا بجلال عظيم؟ بعنفوان تمضي غير مبالية بما خلفها، مُتجاوزةً كل ما قد يعيق طريقها.
كيف لي أن أكون مثلها؟ تساءلت.. كيف لي أن أمضي في طريقي و أتجاوزك؟ أنا هشّة جداً، وذكرى واحدة قادرة على جعل العالم كله سجناً.. كيف و أنت بمهابتك تقف في طريقي؟
كيف لي أن أمضي مثل هذه الساعة في عنفوانها، و أنا عالقة في تأمل هالاتك السوداء ورموشك الكثيفة التي تُسقط عليها ظلاً مَهيباً ؟
كيف لي ألّا أبالي و أنا أذكر رائحة كل نسمة هواء استنشقتُها و أنا معك. أتنفسها في كل لحظة من لحظات حياتي؟
تكوّرت على نفسها واستلقت على جانبها موجّهةً عينيها إلى الجمر المشتعل أمامها.. بدأت الغصص بالظهور، كعادتها كل ليلة، هذهِ تقاومها و تلك لا تكفّ.
مرّت أشهر منذ استسلمت لها، إذ شعرت بأن حنجرتها اعتادت عليها و كأنها جزء مركّب منها وانقباض أساسي فيها. هل تكون هذه ليلة الاستسلام لكل ما قاومته في الفترة الأخيرة؟
لمَ لا ؟ ليست المقاومة دائماً هي الحل الأفضل. نحتاج إلى الانكسار أحياناً، وحتى في أشد لحظاتنا قوة قد يكون الاستسلام هو الطريق الأسلم!
و هي كانت منهكة، أشد مرحلة قد يصل إليها الإنسان إنهاكاً..
نَفس عميق، زفرة، والعيون المتورمة تُغلق بهدوء ، إنها تستسلم.
كانت خائفة، خائفة من الانفجار الذي يعقب الكبت الشديد.. لولا أنّ مهابة ما اعترتها فجأة؛ لا صوت.. لا رعشة بكاء.. مجرّد دموع تنصهر. كانت روحها المحترقة هي التي تبكي، لا جسدها.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.