أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : سائق الدراجة العتيقة

كتابة : عبدالعزيز علي

تدقيق لغوي : وفاء الحربي

 

1

تلك العجلتين الهوائيتين المتلاحقتين غير ظافرة بالإمساكِ ببعضها، كانت تمثل له فلسفته الخاصة في الحياة، إذ يروق له كل صباح أن يمتطي دراجته المحبوبة بعد أن يفُك تلك السلسلة التي تمثل كلباً مسعوراً لمن أراد أن يسرق الدراجة، يمتطيها بخفة مع توازن دقيق يجعله خفيفاً كوزن الريشة. تتعلق قلوبنا أحياناً بأشخاص وأماكن، لكن الهوس الحقيقي هو عندما تتعلق بجمادٍ كأن له روح، فتفضّله على ذوات الأرواح بلا استثناء، هنا تتعقد القضية!

ذات صباح، امتطى دراجته المحبوبة وقادها، إلا أنها لم تسر على سجيتها، فأخذت تترنح يميناً وشمالاً، دفع الدواسة بقوة أكبر على أمل أن تسير بالشكل الصحيح لكنه أوشك أن يقع على وجهه من شدة اضطرابها. توقف قليلاً وألقى نظرة، فرأى ثقباً في العجلة، هذا الثقب -الذي جعل العجلة ككلب يكاد يموت جوعاً-جعله يبحث في الصباح الباكر عن رجل يمتهن تلك المهنة اللطيفة: تصليح الدراجات.
بعد عناء، وجد مبتغاه. دخل الورشة وسلّم على صاحبها بيدٍ بينما يده الأخرى لاتزال حاملةً دراجته العتيقة، أخذ صاحب الورشة دراجته وقلبها رأساً على عقب وشرع يبحث عن المشكلة دون أن يسأله عنها.
سأل صاحب الورشة زبونه، سائق الدراجة:
-أضيقةً في المال أم راحةً للبال؛ أيهما جعلك أحوج إلى اقتناء الدراجة في زمنٍ يضجّ بأبواق السيارات؟
أجاب سائق الدراجة:
-هي قناعة فحسب، القناعة كنزُ لا يفنى!
ابتسم العامل وبرزت أنيابه، وقال بجمود بينما يُغير إطار عجلة الدراجة:
-يجب أن تعلم أن القناعة تُنافي الطموح مهما بلغ إيمانك بها، يجب على الشخص الطموح ألا يُصاحب القنوع، إن الشخص الطموح وحده الذي يعيش ألف يوم وسنة، يعيش ألف مرة لأنه يُقاتل بضراوة لأجل غاية يُريدها. طموح في إنجازٍ للمستقبل أو حتى في تغيير الواقع، أما القنوع الذي تُمثله أنت، فإنه شخص يعيش مرة واحدة عيشةً سرمدية لا تجديد فيها، لأنه اقتنع بواقعه وعيشته، هل تعي ما أقول؟ إن القناعة والطموح مثل عجلتي الدراجة، قد تراهما متقاربين ولكن هيهات أن تمسك إحداهما الأخرى! في الحقيقة، من قال إن القناعة كنز لا يفنى هو رجل فشل ويائس مثل الثعلب الذي  حاول الوصول إلى العنب، وعندما فشل قال إنه على كل حال عنبٌ حامض! دعِ القناعة لأهلها وكن طموحاً.

رفع العامل الدراجة وتأكد من سلامة العجلات، نظر إلى صاحبها قائلاً:
-الحساب لو سمحت.
أعطاه حسابه ثم ركب دراجته وقاد بعيداً. تساءل:
أيهما آلمه أكثر، مسمار الصباح الذي كدّر يومه، أم لسان صاحب الورشة الحاد الذي جعله تائهاً؟ أثقب في العجلة خيرٌ من ثقب في القناعة الراسخة؟
قطع حبل أفكاره العارمة صوت بوق سيارة قادمة، نجى من الصدمة بأعجوبة ثم قاد وقلبه واجف. قاد بعيداً، بعيداً حيث المجهول.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.