أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : خالد الخالد!

1

في أشد الأيام برودة وفي منتصف الشتاء القارص يخرج خالد من منزله الواقع في طرف البلدة. دائما ما كان يتذمر من بعد منزلهم كان يعاني من صعوبة في الذهاب مع اصدقائه. يخرج من منزله ليذهب مع زملاؤه الجدد. فبسبب كثرة ترحال والده أصبح بارعا جدا في اقامة العلاقات، حيث لم يمضي على وصولهم سوى شهرين وأصبح مدعوا الى رحلة برية في يوم السبت من قِبل مجموعة من الطلاب.  كانت تمسكه امه من ذراعه قبل ان ينزل من الدرج وتتفحص ملابسه لتتأكد من سمكاتها لتتحمل البرد القارص.

_”توقفي! انت تحرجينني!” يصيح خالد على امه بصوت خافت املا الا يسمعوه اصدقاؤه الجدد.

تقول والدته وهي تحكم اغلاق معطفه:

_”اهدأ، ماذا سيقول الناس إذا اصبت بالزكام وانت ابن الطبيب الشهير”

ثم أردفت _” وداعا عزيزي، اهتم بنفسك وكن دائما على حذر”

_”وداعا امي” يقولها خالد على خجل ويتجه نحو سيارة اصدقائه ويراهم وهم ينظرون باتجاهه ويضحكون وهو يعلم ما يقولون عنه في أنفسهم “ابن امه المدلل!!”.

 

مع مرور السنين تعلم خالد بالطريقة الصعبة الا يتعلق كثيرا بالبشر حتى لو اعطاه والده الوعود والعهود بان يستقروا في هذه المدينة أو تلك، فهو يعلم تماما انهم سينتقلون في خلال سنتين الى مدينة جديدة.

كان والده طبيب استشاري. انتقلوا هذه المرة إلى قارة أخرى باحثين عن الاستقرار حينها أصبح خالد يخبر نفسه ان الامر مختلف لان، هنالك فتاة! وفي كل مرة يحاول الا يتعلق بفتاة ولكن قلبه لا يتحمل! كانت تدعى “سوزان” والتي على ما يبدو وعلى غير العادة تبادله قليل من الشعور.  تصل مجموعة المراهقين الى موقعهم المفضل للتخييم، ليفعلوا الشيء المفضل لديهم الشرب والتدخين. يشاركهم خالد في التدخين ولكن ليس في الشرب. لذلك يشعر قليلا بانه مختلف عن المجموعة.

بعد ان ينهو جولتهم الاولى من الشرب يتجه المراهقين الى البحيرة القريبة منهم لكي يستمتعوا بالمنظر، او هكذا ظن خالد.

يتوقف الجميع على طرف البحيرة ويبدؤون بخلع ملابسهم! في بادئ الأمر لم يتقبل خالد تلك الفكرة السخيفة، ولكن بعد محاولات عديدة من “سوزان” قرر ان يفعل ذلك.  بدأ خالد بخلع ملابسه وهو يتذكر كلام والدته عن الزكام وقد أصبح متوترًا الان. لتأتي سوزان وتكمل خلع ملابسه حتى لم يتبقى فوق جلده سوى الملابس الداخلية فقط                                                                                                                                                                خالد كان متردداً جداً بشأن الفكرة حتى ولقد أصبحت الزكام والإنفلونزا أقل مخاوفه.

وقفوا جميعهم في ملابسهم الداخلية وكان ما كانوا ينتظرون شيءً ما ثم بدأ احدهم بالعد التنازلي 123…….

 

2

قفز الأصحاب جميعهم في نفس الوقت كان الماء كما هو متوقع شديد البرودة ولكنه كان اشد برودة على خالد بأضعاف مضاعفة. جسده النحيل الصحراوي غير متكيف على البرد مثل احفاد الفايكنغ. بدأوا بالارتعاش والضحك كانوا غالبا ما يضحكون على خالد الذي كان يجاهد نفسه كي لا يسقط. ولكن الشيء الوحيد الذي جعله يبقى هو اليد الدافئة التي امسكت معصمه فجأة واعادته من اعياءه. بعد دقيقة كاملة مرت وكانت كالسنة تكيف بقية الاصحاب على البرد بينما خالد لا يزال يصارع نفسه لا يريد الحركة كي لا تزيل سوزان يدها الدافئة. وبعد مرور الدقيقة الثانية التي كانت أخف بكثير من السنة الاولى،

بدأ جسده بالعودة الى الحياة مرة اخرى، ثم فجأة شعر بشعلة من الحماس والدفء. لابد انه الادرينالين يضخ في جسده بشكل جنوني. لم يكن بسبب النجاة ولكن بسبب جسد سوزان الدافئ الذي التف عليه بعد مرور الدقيقة الثانية. كان جسدها ادفئ من حرارة الشمس في بلده الام في شهر اغسطس. بعد مرور دقيقتين وانتهاء هذا التحدي السخيف الذي فاز به الجميع ولم يخرج أحد من الماء المتجمد، “قرر الشخص الذي بدأ بالعد التنازلي للقفز” بعمل تحد جديد قائلًا:

_”من يستطيع السباحة الى الطرف الآخر من البحيرة؟”

فكر خالد بانه سباح ماهر وطالما انه تعود على درجة حرارة الماء سيكون هو الفائز، لكن السبب الحقيقي الذي دفعه الى القبول بذلك التحدي الجنوني هو أمل الحصول على حضن دافئ يرتمي فيه بقية اليوم. قبِل خالد بالتحدي المجنون. تحمس الجميع وبدأوا بوضع الرهانات، بدأ بالسباحة وسط تشجيع زملائه وهتافهم المتواصل على الرغم من انهم راهنوا ضده لكنهم كانوا يشجعونه للوصول الى الطرف الآخر فإن حدث ذلك ستكون قصة عظيمة ويوماً لا ينسى على حد تعبيرهم.

بدأ خالد بالسباحة لا زال الطريق أمامه طويل ولا زال حماسه كبير. واصل السباحة حتى لم يعد يسمع أصوات تشجيع أصدقائه له، ذهب بعيدًا حتى لم يعد يسمع أي شيء وكأنه في وسط المحيط. كان الجميع يراقب في صمت وهدوء وحين ما اختفى عن قرروا الذهاب إلى الطرف الآخر من البحيرة عن طريق الجسر لكي يلتقوا به حين يصل

استمر خالد السباحة بكل ما أوتي من قوة، بدأ يشعر بالتعب والبرد الشديد كلما توغل أكثر في داخل البحيرة بدأت عضلاته تؤلمه أكثر وأكثر وبدأت عزيمته تقل أكثر فأكثر.

توقف قليلاً لكي يرى المسافة التي قطعها. شعر بانه ظل يسبح في هذا الماء المتجمد لساعات لكنه لم يقطع نصف المسافة بعد. بدأ شعور الهلع يتسرب بداخله الآن هو في مواجهة حقيقية مع الموت لا مجال للعودة إلى الخلف ولا مجال للتوقف

 

3

لم يكن خالد يملك الكثير من الخيارات. يجب عليه التقدم إلى الأمام وإلا سموت في هذه البحيرة، الان أصبح يتذكر كل المرات التي فشل فيها من تحقيق مراده بسبب ضعف عزيمته، لم يستطع الحصول على درجات عالية بسبب ضعف عزيمته. لم يستطع الاستمرار بالنادي الرياضي بسبب ضعف عزيمته. لم يستطع إظهار حبه لفتاة عشقها في الماضي بسبب جبنه وضعف عزيمته. ولكن هذه المرة الأمر مختلف تماماً هو في مواجهة مع الموت ولن يقبل بأن يموت “بسبب ضعف عزيمته” فقرر تحويل كل هذا الغضب والإحباط إلى عزيمة وقوة، وبدأ بالسباحة مجدداً الى الأمام شعر بقوة كبيرة بداخله بعزيمة غير مألوفة بالنسبة له هذه القوة أمدته بالنشاط الكافي للتحرك ولكن ليس بالكافي للوصول الى الطرف الآخر من البحيرة.

لم يعد يشعر بأي عضو في جسده كما لو أنه مشلول. لم يعد يستطيع تحريك قدميه ولا يديه ولا حتى شفتيه من أجل طلب المساعدة. وبدأ بالغوص في أعماق البحيرة المتجمدة. شيئاً فشيئاً بدأ النور يتلاشى ويحل محله شيء لم يحبه طوال حياته “الظلام”

تسائل خالد في نفسه هل أنا أحتضر؟

هل هذه آخر دقائق حياتي؟ ولكن لا يمكن ان اموت الان! في هذا العمر المبكر!!

ماذا عن خططي المستقبلية؟!

ماذا عن احلامي؟!

أين شريط حياتي إذاً؟ الا استحق ان ارى شريط حياتي القصير جدا!

لماذا أشعر بهذا الشعور المريح يتسلل بداخلي؟ ألا يفترض بأن يكون الموت مؤلماً؟

أصبح كل ما أريده هو أن أرى وجه أمي لمرة واحدة وأخيرة وأن أخبر ابي بأنني مسامحه. فأنا أعلم انه طيب القلب وسيتبنى ذنب موتي فهو من جلبنا إلى هنا.

ولكن لن أموت الان. أنا أعلم ذلك، هناك فرقة إنقاذ قادمة من أجلي في هذا الوقت أو سباح ماهر من أصدقائي يستطيع إنقاذي. ربما!

بعد وقت طويل من المقاومة فقد خالد الوعي بهذه الخاطرة المريحة. على امل أن يستيقظ على سرير أبيض دافئ وحوله أمه وأصدقائه وسوزان وستكون الأمور كلها بخير.

ولكن خالد ذهب إلى الأبد عائمًا في تلك البحيرة.

 

كتابة : مجيد الألمعي

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.