أدبقصص قصيرة

قصة قصيرة : إله واحد جل جلاله

كتابة : محمد العقيل

تدقيق لغوي : وفاء الحربي

 

القطعة الأولى

(و هي المقدمة فقط): إنه كان بي حفيّا.

لا أضع رأسي حتى أتعوذ من الشيطان والشياطين والمتشيطنين، ثم أستغفره لنفسي وللناس، ثم أستغفر نفسي لكل بشر عرفته وأنسل إلى نومي رويداً رويداً بالمعوذات الثلاث. هذا حالي منذ كنت صبياً، علمني ذلك أبي وظللت على ما علمني إياه أبي؛ لا ينتهي يومي إلا مستغفراً ومستعيذاً. إلى أن راهقت العشرين، ومرت في خيالي صبية عرفتها, أخذت تجوس في رأسي بعض وقتي تذهب وتجيء. لم أكن ممن يستسهلون دخول أحد في رأسي ولكنها كانت شيئا لم تكن فتاة, و كنت في تلك السن الغضة منشغلاً عن الناس لا أهتم إلا بدراستي وتعليمي وثقافتي و تأدبي. تلك الفتاة خاطرة وكانت في أغلب الأحيان جنينة ترد عزم روحي إذا ما نسيت. كانت هي روحاً ما أحلاها من روح, وكم زرتها على وسادتي و سألتها كيف أفعل وأنا شاب القلب لا أعرف ما في الغيب, فإنني أنا و أنت سوية لسنا موجودين إلا هناك, أما أنا فلا أعرف, و أما أنت التي تعرفين, لا تدرين بي.

 

نسيت فترة أدعيتي, وقرأت وعرفت ماذا كان يفعل السابقين في مثل حالي. مرت أيام كانت عادية, أذهب إلى الكلية زأعود فأستريح ثم أقرأ ما تيسر من أحوال السابقين، وأذاكر دروسي وفي خاطري عقدة لم تنحل؛ تلك الفتاة عصية، ودوني و دونها أنا وكل شيء.

صرت أنام علي وعليها و بيننا حديقة طويلة. ثم تخرجت وفرحت وقررت أن أنسى, قال لي فؤادي الفارغ: تناسيت يا محمد و لكن امض لا تلوي على شيء حتى يوقفك الله . سنة سنتين ثلاث مرت ببطء لا بطء ثقل الأيام بل هذه أيام الفتيان كثير ما بها خفيفة همومها طويلة لياليها كثير فيها السهر, وكنت أقرأ, ما أكثر ما قرأت, وازدادت ثقافتي وتأدبت أدب الأسلاف و ما تركت إقليماً إلا قرأت عنه وقرأت لأدباءه ومفكريه وتاريخه وثقافته وفلسفته, فصرت بحق أعرف, أعني أعرف لا أعلم .

بت و نفسي ذات ليلة ساهمين, في ساحة بيتي, معنا مصباح صغير وإبريق, نتطلع إلى السماء كما تطلع إبراهيم (عليه السلام) من قبل, شديد سوادها، شديد وهج نجومها, ليلة كانت مضيئة ولكن روحي كانت مظلمة وحزينة, قالت لي ذاتي وهي تتطفل ماذا بعد؟ الآن بعد كل ذلك اللعب, وقد سلمت قلبك لامرأة, أخذته فترة ثم تركته, لعبت وعبثت, وفعلت ما يقال وما لا يقال, وها أنت الآن تتحسر حسرة اليائس من الأيام ومن شبابه ومن ظن أن الأمل شيء يذهب ولا يجيء, وكل ذلك بسبب امرأة أنت قبلت دعوتها, وحين مر وقت, اشترت قلبك بثمن بخس وتبرعت به. سترى بعد سنين كيف يفعل بها الله وسترى كيف يفعل بك وأي صنيع صنع الله إذا أحبك. لقد تعلقت بها, وهي آفلة والله باق. الله لا يضيعك, سترى فانتظر لا تنس ذلك أبداً. انساها ولا تنس الله .

قطعت لهوي وحزني ويأسي ومضيت أمشي, معي كتابي وذاتي وأملي وحين سلوت, فقط حين سلوت, استيقظت.

القطعة الثانية

و هي مناجاة و عنونتها : إلى الله

لم أحدثت كل هذا، جعلتني أرى كل ذلك ألمسه، أحسّه، أشعر به، و أملأ به فؤادي، ثم تأخذه؟

جدتي و التي تعني الشيء الطيب الذي يتحلق حولها أهلي كل ليلة، تأخذها مني و تعرفني على الموت صغيراً، في سن مبكرة ، اثنتا عشرة ربيعاً، بموتها بدأ الخريف، وطال حتى صرت ابن الثامنة عشر.

نسيت قليلاً، و شعشع قلبي. صيف عمري بدأ، فخرجت من وكري إلى العالم مرة أخرى ولكن وحدي، دون أسرتي، منتدباً إلى المدينة الكبيرة لأحصل على الشهادة التي تشفع لي.

و هناك، لماذا جعلتني غراً، أثق بكل أحد، أصدقهم كلهم، ويكذبون علي، وكل من جعلتُه صديقاً، أعطاني درسا لن أنساه و مضى؟

و مع ذلك، يا الله، تجعلني حراً، أمشي في الأيام، فأحب؛ و أصدق مرة أخرى، و تأخذها مني و تذهب بها إلى واقعها، أهلها و عشيرتها و مستقبلها و تتركني حائراً. حائراً لسنوات طويلة أكرر نفس القصة دون أن أعتبر حتى ! لم يا ربي جعلتني أعاندك كل تلك الأيام؟ كنت قد ظننت أني تعلمت من تلك الدروس و لكني ظللت في كل قصة أتجاهل و أعتقد أنني أمام أمر جديد فلن يحدث لي ما حدث . لم يا إلهي لم تكن تسمع لي و لم تجعلني أسمعك؟ لم جعلتني أركض و أتعثر و أركض و أتعثر حتى اليوم؟ حتى اليوم الذي أنا فيه على المفرق؛ أنظر إلى الوراء و أكمل ذات الطريق؛ أو أشق الصخر و أشق طريقاً جديداً، طريقاً أظنه إليك. يا الله، اسمعني أرجوك؛ أجبني الآن.

About Author

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاركنا رأيك

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

لدعمنا يرجى إلغاء تفعيل حاجب الإعلانات، نؤكد لك أن موقعنا لا يحوي إعلانات مزعجة أو منبثقة.